أغلب الظن بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لا يعرف إن كان القمر يتبع كوكب الأرض أم كوكب المريخ، لا يعرف شيئاً عن طبيعة أو تاريخ الصراع العربي/الإسرائيلي في الشرق الأوسط، وهو دون شك لا يعرف كيف نشأت المشكلة أصلاً، ولمَ أصدر وزير خارجية بريطانيا العظمى إبان الحرب العالمية الأولى وعده الشهير، وعد بلفور، ولم يحظَ بكثير من المعرفة لا بالنكبة ولا بفصول الصراع اللاحقة في أعوام 48، 67، 73، 82، وربما لم يسمع عن انتفاضة العام 87، ولا عن "مدريد" أو "أوسلو" ولا عن كل تلك السلسلة من المفاوضات التي لم تقتصر على رعاية الرئيسين الديمقراطيين ( بيل كلينتون وباراك أوباما)، ولكنها شملت أيضا الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن، بل لم يدرك مغزى تهديد الرئيس جورج بوش الأب عام 1991 لرئيس وزراء إسرائيل اليميني الليكودي حينها اسحق شامير بورقة ضمانات القروض الأميركية لإجباره على الذهاب الى "مدريد" في ظل مشاركة فلسطينية، ثم كيف ولماذا بارك البيت الأبيض لاحقاً إعلان أوسلو.
وحالُ طاقمه المكلف منذ عامين بإعداد ورقة الحل التي أطلق عليها بكثير من المبالغة اسم صفقة العصر، لا يختلف أبداً عن حال رئيسه، وهم جميعاً لم يسمعوا عن مبادرة روجرز بعد عام 67، ولا عن مشروع التوطين في سيناء الذي أطلقته بلادهم في خمسينيات القرن الماضي، ودفنه الشعب الفلسطيني في ذلك الوقت رغم حداثته في المقاومة ورغم عدم امتلاكه لا لمنظمة التحرير ولا لفصائل الثورة والمقاومة، والأهم أنهم لا يعرفون مكانة فلسطين في قلوب وعقول أكثر من أربعمائة مليون عربي وأكثر من مليار ونصف المليار مسلم، وهم البراغماتيون في السياسة إلى حدود مساواتها بالبزنس، لا يعرفون لم دخلت دول الجوار العربي وفي ظهرها دول العمق العربي في حروب مع إسرائيل، منذ نشأتها إلى توقيع اتفاقيات سلام ظلت على الورق وبقيت ضمن أدراج الأنظمة الرسمية.
وها هم قبل أن ينجحوا في إعلان صفقتهم الموعودة، يصابون بالإحباط لدرجة أنهم "يكتفون" بتحقيق نجاح ما ولو كان معنوياً فقط، من نمط إعلان الشق الاقتصادي من الصفقة، المقرر في الأسبوع الأخير من هذا الشهر في دولة البحرين، وهم لو قرؤوا أو توقفوا عند "مدريد" واتفاق أوسلو لعرفوا بأن "مدريد" نصت على مسارين للتفاوض أحدهما سياسي والآخر اقتصادي سمي بمتعددة الأطراف، فشل لأن شمعون بيريس عرّاب الشرق الأوسط الجديد ومنظّره قبل ثلاثة عقود أعلن عن أطماعه في أموال الخليج حين فاخر بأن الدخل القومي لإسرائيل يعادل الدخل القومي للسعودية!
الجميع يدرك بأن جزرة صفقة ترامب إنما هي موجهة للخليج من خلال القول بأنها تتضمن إنشاء تحالف أمني ضد إيران، وبمعنى أدق من خلال وعد لدول الخليج العربي، بأن أميركا وإسرائيل تتعهدان بحماية دول الخليج من أطماع إيران مقابل تخليها عن الحقوق الفلسطينية السياسية.
وحتى تظهر الورشة بأنها ليست أكثر من مؤتمر وارسو الذي عقد قبل عدة أشهر، أو أنها دورة ثانية لذلك المؤتمر الأمني، وفي ظل عدم وجود الطرف الرئيسي المعني بحل الصراع العربي/الإسرائيلي، فإن معدّ الورشة أي الجانب الأميركي يحرص جدا على حضور دول الجوار العربي، وبالتحديد مصر والأردن، وها هو يعلن وكأنه قد حقق النجاح عن موافقة مصر والأردن والمغرب على حضور الورشة !
مجرد الإعلان الأميركي يشي بمستوى الإحباط الذي أصاب عقل وقلب طاقم ترامب، ذلك أن المرجح وفي ظل عدم حماس مصر والأردن الواضح هو أنهما قد تشاركان ولكن بمستوى غير مقرر، أي لا يمنح الورشة وزناً سياسياً مهماً، هذا من جهة ومن جهة ثانية يترافق ذلك بإعلان سياسي صريح وقوي من كلا الدولتين العربيتين بالتأكيد على الحقوق الوطنية الفلسطينية، وعلى حل الدولتين الذي يعني ويتضمن بالأساس إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
من الأصل كيف يمكن الحديث عن صفقة، وأحد طرفيها غير موجود ورافض لها أصلاً، إلا إذا كان الحديث يجري عن صفقة من جانب واحد، أو عن حل يتم فرضه فرضا على الشعب الفلسطيني، بما يعني مقاومته بكل ما أوتي الشعب الفلسطيني وحلفاؤه الكثر من الشعوب العربية إلى شعوب الدنيا بأسرها بكل ما أوتي من قوة.
وهذا يعني بشكل مؤكد بأن مصير "مارشال ترامب" لن يكون إلا مثل مصير مشروع روجرز ومشروع التوطين، وأن صفقة ترامب ستغرق في مياه البحرين الراكدة، والتي لن تكون إلا مناسبة لإطلاق سراح القوة الرافضة الشعبية الفلسطينية الكامنة منذ زمن طويل، وأن مجرد عقد الورشة سيكون مناسبة لإطلاق مقاومة الشعب الفلسطيني من عقالها.
ولأن كلامنا ليس مجرد توقعات إنشائية، فإننا نشير هنا بالمناسبة إلى ما يتم التحضير له من إعلان للتحرك الشعبي في يوم انعقاد الورشة، والذي لن يقتصر فقط على فلسطين والفلسطينيين، والذي سيترافق أيضا مع عقد مؤتمرات موازية ومناقضة ورافضة، هذا مع العلم بأن كمّاً من المؤتمرات الاقتصادية التي عقدت في شرم الشيخ مثلاً من أجل محو آثار الحروب الإسرائيلية على غزة ولم ينفذ منها شيء، كذلك كان حال الوعود التي رافقت "أوسلو" بتحويل المناطق الفلسطينية (وليس الدولة الفلسطينية) إلى سنغافورة ولم يحدث شيء من هذا، وكل هذا مخزون في ذاكرة الوعي السياسي الشعبي الفلسطيني.
سيتمخض جبل ترامب عن فأر في البحرين، هذا مع تصاعد الحرب فعلياً وميدانياً في الخليج، ومن يدري ربما تنتقل حرب إيران إلى دول خليجية أخرى، حينها سيتضح تماماً كذب أميركا وإسرائيل، وإن ما يحمي دول الخليج وكل العرب، ليس عدوهم التاريخي بل قوتهم الذاتية، الممثلة في وحدتهم أولاً وفي منعتهم الذاتية ثانياً، وفي التفافهم جميعاً حول الحقوق الفلسطينية التي هي الملف الوحيد الذي يجمع العرب وقت فرقتهم وافتراقهم.
[email protected]
أضف تعليق