بمتابعة تفاصيل ما ينشر عن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المسماة "صفقة القرن" ومن تصريحات المسؤولين الأميركان المتورطين في صياغة وترويج الخطة يتضح أنها لا تريد البتة حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وإيجاد تسوية عادلة ومقبولة للقضية الفلسطينية بقدر ما تستهدف قلب الهرم على رأسه وإخراج موضوع التسوية عن سياقه الذي اتخذه منذ مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991، فالفكرة التي كانت سائدة في البحث عن حل سلمي للصراع تقوم على مبدأ حل الدولتين وتطبيق قرارات الأمم وخاصة قراري مجلس الأمن 242 و338، وهو مبدأ يستند إلى معادلة "الأرض مقابل السلام" وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وفي مقدمتها التحرر من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وهذه الأفكار والمبادئ اتضحت مع تقدم المفاوضات في طابا وبعد مؤتمر أنابولس والمفاوضات مع رئيس الوزراء أيهود أولمرت.
وبعد استيلاء اليمين الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو على السلطة مجدداً في عام 2009، تم العمل على شطب كل ما تم بين الفلسطينيين والإسرائيليين في العملية السياسية بما في ذلك تحويل اتفاق "أوسلو" إلى مجرد الإبقاء على التنسيق الأمني وتطبيق أجزاء من اتفاق باريس الاقتصادي بما يتيح لإسرائيل الاستمرار في السيطرة على الأرض وتهويدها وتدمير فكرة الكيانية الفلسطينية المستقلة، ولهذا تتعمد إسرائيل استباحة المناطق الفلسطينية المصنفة (أ) والتي هي حسب اتفاق أوسلو خاضعة للسيطرة الأمنية والمدنية الفلسطينية وهي تخضع لما يشبه السيادة الفلسطينية، وتغيير معالم مناطق (ج). وإسرائيل بذلك تريد إثبات عدم وجود أي كيان فلسطيني مستقل حتى ولو في إطار اتفاق انتقالي تحول إلى وضع شبه دائم.
اليمين الأميركي وخاصة الإنجيلي بات يسيطر على الحكم في الولايات المتحدة في عهد ترامب والمتحالف مع اليمين الإسرائيلي المتطرف والعنصري، حيث يعبر عن هذا التحالف بتعيين يهود صهاينة متطرفين وبعضهم مستوطنون لرسم السياسة الخاصة بالشرق الأوسط ووضع تفاصيل "صفقة العصر" ومنهم صهر الرئيس جاريد كوشنر والمبعوث جيسون غرينبلات وسفير أميركا في إسرائيل دافيد فريدمان، هذا اليمين يحاول تطبيق مشروع اليمين الاستيطاني اليهودي في شطب فكرة الاستقلال الفلسطيني وقيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة منذ عام 1967، وعاصمتها القدس. ولكي ندرك ما يحدث علينا متابعة تسلسل الأحداث منذ تولي ترامب وأركان إدارته الحكم في الولايات المتحدة. فالخطوة الأولى هي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل دون اي ذكر للقسم المحتل منها أو لأية حقوق للشعب الفلسطيني فيها، ونقل السفارة للقدس، وبعد ذلك السعي لشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين بوقف الدعم للأونروا وتبني الموقف الإسرائيلي منها ومن مجمل مسألة اللاجئين، وإغلاق مكتب تمثيل منظمة التحرير في العاصمة الأميركية. ومن ثم إنهاء وجود القنصلية الأميركية في القدس كجسم سياسي وإداري منفصل عن السفارة الأميركية في إسرائيل وهي قائمة هناك منذ عام 1844 أي قبل قيام إسرائيل بكثير. في خطوة ذات دلالة في استهداف الكيان الفلسطيني.
ولم تتوقف الإدارة الأميركية عن هذا الحد بل أيدت الاستيطان الإسرائيلي وفكرة ضم إسرائيل لمستوطنات في الضفة الغربية. في 4 تشرين الأول 2018: في مقابلة مع (قناة 7) - ذكر السفير فريدمان "أن إدارة ترامب تعتقد أن إسرائيل يجب أن تواصل بناء المستوطنات ....وأشار الرئيس (ترامب) إلى أنه، إلى أقصى حد ممكن، يجب الحفاظ على الخيار في المنطقة (ج) لإتاحة الأرض للاستيطان". وصرح كوشنر وغرينبلات أن الخطة الأميركية لا تتضمن دولة فلسطينية. بل أن كوشنر شخصياً شكك في قدرة وأهلية الفلسطينيين في حكم أنفسهم في تصريحات أدلى بها قبل أيام. إذاً مجمل الخطوات والمواقف الأميركية تذهب باتجاه منح إسرائيل السيطرة على الضفة الغربية ومنع قيام كيان فلسطيني مستقل، فالذي يشطب القدس يلغي فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة لأنه لا دولة بدون القدس، ومن يحل القنصلية لا يتعرف بوجود الشعب الفلسطيني وبكيانه المستقل ومن يغلق مكتب منظمة التحرير بواشنطن لا يذهب نحو تعزيز الاستقلال الفلسطيني ولا يعترف بنا وبحقوقنا المشروعة.
ولا شك أن عقد ما تسمى "ورشة البحرين" هو محاولة أخرى للالتفاف على الحقوق السياسية والفلسطينية، والهروب من البحث في إنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطين المستقلة، وتحويل القضية إلى مجرد مشروع اقتصادي لن يكتب له النجاح تحت أي ظرف ليس فقط بسبب رفض الفلسطينيين التعاطي معه، بل لأنه مشروع عبثي لا جدوى منه ولا أفق له. فالتجربة تقول إنه لا يمكن تطوير الوضع الاقتصادي للفلسطينيين في ظل وجود الاحتلال وسيطرته على غالبية المناطق الفلسطينية المحتلة ومنع تطويرها، وفي ظل عدم تحكم الفلسطينيين في حدودهم وعلاقاتهم مع العالم الخارجي وطالما يحكم الاقتصاد الفلسطيني اتفاق باريس. وأقصى ما يمكن تحقيقه في الورشة هو ترسيم العلاقة بين العرب وإسرائيل وتسريع عملية التطبيع معها على حساب الحق الفلسطيني.
صحيح أن فشل بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومة في إسرائيل يعطل طرح "صفقة القرن" وربما ينهيها تماماً، وخاصة إذا فشل في الانتخابات القادمة أو جرى تقديمه للمحاكمة قبل أن يحصن نفسه بالقانون الفرنسي الذي يمنع تقديمه للمحاكمة طالما هو في الحكم أو بصيغة أخرى تضمن احتفاظه بحصانته البرلمانية. فالمشروع الأميركي يقوم على شراكة مع اليمين الإسرائيلي بزعامة بنيامين نتنياهو. ولكن يجب ألا نركن لفشل المشروع من تلقاء نفسه أو بمجرد الرفض الفلسطيني له. هناك حاجة لمقاومة هذا المشروع بخطة محكمة ومفصلة وأهم عنصر فيها ينبغي أن يكون الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام وعودة غزة إلى الشرعية والإطار الموحد.
[email protected]
أضف تعليق