تم تكن" المشتركة " لتولد في 2015 لولا أفيغدور ليبرمان بعد دفعه لرفع نسبة الحسم، وبعد أربعة أعوام عصفت بها أزمة تناوب مهدّت لأزمة محاصصة اجتمعت وحسابات فؤوية وشخصية لدى بعض مركباتها وحلفائهم خارجها أدت لتفكيكها. تشكلت " المشتركة " بفضل آخرين وتم تفكيكها من تلقاء ذاتها وبفعل بعض مركباتها ومعاونيهم من خارجها. على علاتها وإشكالياتها رغب المجتمع العربي بالحفاظ على المشتركة فجاء تفكيكها صادما وقرر المجتمع العربي معاقبة أحزابه خاصة بعد اصطفافات وزواجات أشبه بـ " جيزة الغصب" زادت طينتها بلة. شاء القدر ليلة مبارح أن يقدم ليبرمان إياه هدية برلمانية جديدة للمجتمع العربي باعتبار أن حل الكنيست ينطوي على فرصة ذهبية لطّي صفحة سوداء في السياسة العربية وفتح أخرى بيضاء بإحياء " المشتركة ". ومن المرجح أن تطرح مجددا لدواع شتى مقولة ولماذا " المشتركة " ؟ وما جدواها وما حققت لنا الخ؟
فقدان المشتركة مسّ بالمتابعة
كانت وما تزال " المشتركة " وبصرف النظر عن ملابسات ومحفزات تأسيسها مبادرة حيوية قيمتها استراتيجية للمجتمع العربي بعدة أبعاد. من تابع فعاليات الاحتجاج على استشراء العنف استشعر بالتأكيد عمق العزوف الشعبي عن السياسة وضعف العمل الجماعي لعدة عوامل أهمها الاشمئزاز من أداء الأحزاب العربية والتورط بحرب النجوم والألعاب النارية السياسية وشحّ الأمل بالتغيير. صدق من حذر في الماضي من أن تفكيك " المشتركة " والغرق في حرب النجوم سيضعف " المتابعة " أيضا بل هو أذى طال كل مفاصل السياسة العربية،صورتها ومكانة العاملين فيها ومظاهرة يافا الهزيلة خير برهان حيث وجدت القيادات ذاتها وحيدة أمس خاصة في ظل فقدان عمليات تعبئة وتنظيم حقيقية. لن تحل " المشتركة " أزمات المجتمع العربي المستفحلة لكنها ستساهم في تخفيف حدتها وتحسين أحواله المعيشية كما بدأت في التجربة السابقة ولن تتشكل حكومة إسرائيلية جديدة على هوانا ولكن هناك " مرّ وهناك أمّر وأخطر "..ولا سبيل سوى إتقان الدور بمرونة وكياسة في هذه الظروف القاسية علما أن المسار البرلماني ليس بديلا أبدا عن العمل الميداني وتنظيم المجتمع قيادته وغيره.
مفاعيل الوعي
لكن الأهم هو " أثر الفراشة " الذي لا يرى لـ " المشتركة " على وعي المجتمع العربي فهو لم يفرغ بعد من بلورة ذاته كـ جماعة وأقلية وطن قومية لا مجموعات وشلل وطوائف. " المشتركة " كانت وستبقى عامل فاعلا مؤثرا على وعي المواطنين العرب وعلى وعي الآخر الإسرائيلي والعالمي بحال استوفت شروط النجاح وهي لا تقتصر على انخراط كل الأحزاب في قائمة واحدة. حتى تنجح الأحزاب في الموعد الثاني والأخير في الامتحان وتتم المصالحة ينتظر المجتمع العربي بوادر تغيير وحن نية تشي بالارتقاء للمصلحة العليا وتغليبها على مصلحة الحزب والقائد ولا نقول الزعيم. ينبغي أن تتم هذه الولادة خلال أيام قليلة وأقل وكل إطالة تنطوي على مادة سياسية متفجرة وهكذا بالنسبة لخطة العمل المفقودة.
رؤية وخطة عمل مشتركة
حان الوقت لاستعانة " المشتركة " لبطانة من المثقفين الأكفاء والمجربين من أجل بلورة رؤية وخطة عمل مشتركتين ترافق مسيرتها بشكل منظم بعكس ما شهدته " المشتركة " الأولى من ثرثرة ونصوص إنشائية فارغة والامتحان بإشراك هذه القوى كـ بطانة للأحزاب وللمشتركة. وهذا لا يغني عن حملة دعائية مجدية يتولاها حرفيون ذوو خبرة في الإعلام والتعبئة وعلم النفس السلوكي- والسياسي لقراءة الموجود والمفقود والخلوص لاستنتاجات سليمة،مثلما لا غنى عن استخلاص الدروس الانتخاباتية من التجربة الماضية خاصة في مجال الحملة الإعلامية والجهاز التنظيمي وغيره. ولا بديل عن النية الصافية والتعامل الصادق مع الجمهور بدون تهريج وفهلوية لاسيما أن الطبقة الوسطى العربية باتت عريضة وتتمتع بوعي سياسي ناضج وتنتظر أفعالا. وهذا يعني أن تخاطب الأحزاب العربية جمهورها الواسع بالقول " أخطأنا وجل من لا يخطأ وها نحن نعتذر لما بدر عنا ...ها نحن نصّحح.."، " المشتركة.. عودة للشعب "،" المشتركة: صوت الشعب لا يعلى عليه"،" صوتنا يعلو بأصواتكم "،" معا نجدد مسيرتنا "،" شعبنا الفلسطيني ينتظر نجاحنا "،" صوتنا من صوتكم"،" هيبتنا في اجتماعنا"،" سقوط نتنياهو من سقوط صفقة القرن" الخخخ
ما فزعة هذه المرة
بدون تغيير حقيقي في سلوك الأحزاب ونواياها لن تتحقق المصالحة مع المجتمع العربي وهذه المرة لن تجدي محاولات الاستجداء والاستعطاف في الساعة الأخيرة. من المؤكد أن الفزعة في نهاية يوم الانتخابات بدون " مشتركة " لن تكون سوى " دبة صوت " في وادي عربة أو صحراء النقب لن يسمعها غير من يطلقها ومن لا يأخذ احتمال السقوط والاندثار عندئذ فهو منقطع عن الواقع. ويدرك كل من فيه رأسه عقل أن تفويت هذه الفرصة الثمينة لا تعني ضياع مقاعد برلمانية فقط .
إن عدتم عدنا
الآن السياسة العربية كلها على مفترق طرق إما أن تدخل مسار الإصلاح والنهوض(ما زلنا بحاجة ماسة للعمل الجماعي لنعزز مسيرتنا ومناعتنا ونحمي حقوقنا)وإما يكون أيلول أسود يعلن فيه عن موت السياسة العربية في البلاد. ولابد أن ساسة الأحزاب يدركون أن العودة للتراشق وتبادل التهم هي دخول لمعركة خاسرة للجميع. وربما يكون مفتاح ترتيب المشتركة الأكثر نزاهة هو حاصل قسمة(معدل) ما كان موجود لكل حزب بالجولتين الأخيرتين( 2015 و 2019) ومن جهته واضح أن الشعب قد قال بأشكال شتى بالساعات الأخيرة " إن عدتم عدنا" ومن المرجح أن تستعيد المشتركة ما خسرته من هيبة ومقاعد وأكثر شريطة أن تراجع تجربتها، تعترف مكوناتها بالخطأ وتصححه فالاعتراف خلق الأقوياء لا الضعفاء.
[email protected]
أضف تعليق