حتى منتصف ليلة غد الأربعاء، ستشهد الساعات ذروة دراما السياسة الإسرائيلية الداخلية، حيث ستكون إسرائيل على موعد مع حدث ربما يحدث لأول مرة ليس في تاريخها وحسب، ولكنه حدث لم يسبق حسب علمنا وان حدث في أي دولة «ديمقراطية» من قبل، ونقصد بذلك أن تجري الانتخابات وتتمخض عن معسكر سياسي فائز وآخر خاسر دون أن يتمكن أحدهما من تشكيل الحكومة، فتذهب البلاد مجددا إلى انتخابات تالية دون أن يتم بين الجولتين الانتخابيتين تشكيل حكومي ولو ليوم واحد فقط.
هذا احتمال وارد بل ربما كان مرجحا لدى المراقبين والمتابعين، نظرا إلى أن نتيجة الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية التي جرت يوم التاسع من نيسان الماضي، أظهرت فوز معسكر اليمين بمجموع 65 مقعدا من أصل المائة والعشرين مقابل 55 لمعسكر الوسط واليسار المنافس.
ورغم أن نتيجة تلك الانتخابات كانت قريبة جدا، بل تكاد تكون مطابقة لتلك التي جرت في الانتخابات التي سبقتها قبل أكثر من ثلاث سنوات، ورغم الفارق المريح بين المعسكرين، الأمر الذي أوحى بأن تشكيل الحكومة الخامسة لبنيامين نتنياهو سيكون أمرا تلقائيا وسهلا، إلا أن ما حدث بعد ذلك فاجأ الجميع بمن فيهم قائد اليمين الإسرائيلي الذي كان في طريقه لتشكيل حكومته الخامسة إلى تجاوز الفترة الأطول في تاريخ رؤساء الحكومات الإسرائيلية والتي هي مسجلة باسم «مؤسس الدولة» ديفيد بن غوريون ومقدارها 13 سنة.
الخلاف بين شركاء «الليكود» والذي أظهر بأن هناك هوة واسعة بين اليمين الديني واليمين السياسي، والذي تركز أو تلخص بين «يهوديت هتوراة» و»شاس» بدرجة أقل، من جهة و»إسرائيل بيتنا» من الجهة الأخرى، كان هو السبب الذي جعل من فوز اليمين أمرا مشابها للهزيمة.
وللحقيقة فإن حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة افيغدور ليبرمان كان بعد انتخابات الكنيست العشرين قد تخلف عن التشكيل الحكومي، الذي كان قد استند إلى أغلبية مقعد واحد، أي لدعم 61 نائب دون نواب «إسرائيل بيتنا» الخمسة، واستمر مدة عام كامل بهذه الأغلبية الضيقة، لأن ليبرمان كان قد أصرّ على الظفر بحقيبة الدفاع، التي كان يتطلع إليها أيضا الوزير في الحكومة السابقة نفتالي بينت الذي كان يتزعم حزب «البيت اليهودي» المستند لناخبي مستوطنات الضفة الغربية.
هذه المرة، اختلف الأمر في الشكل قليلا وفي الجوهر كثيرا، فمعسكر اليمين المشكل من «الليكود» و»كولانو» موشية كحلون، مع اتحاد اليمين المتطرف والأحزاب الدينية (يهوديت هتوراة وشاس) يشكلون 60 مقعدا، يمكن بهم ومعهم لنتنياهو أن يشكل الحكومة لكنه يحتاج إلى شبكة أمان من «إسرائيل بيتنا»، بما يعني بأنه يمكنها إزاء أي تصويت على حجب الثقة أن تسقط، ومثل هذا الاحتمال يحرر ليبرمان من مغبة تأييد سياسات الحكومة دون أن يتهم من قبل ناخبي اليمين بأنه تسبب في إسقاط حكومة اليمين، أو كان سببا في تشكيل حكومة يسارية، وتشكيل مثل هذه الحكومة حتى لو انضم لها ليبرمان أمر غير ممكن بالطبع، لأنها ستكون حتى مع ليبرمان الذي لن يغامر بناخبيه ولا بمكانته التي يبدو بأن «عينه على خلافة نتنياهو في زعامة اليمين كله» بالانضمام لمعسكر الوسط ــــ اليسار، وفقط مع «كولانو ــــ كحلون» و»إسرائيل بيتنا ـــ ليبرمان» يمكن للوسط واليسار مع العرب أن يشكلوا حكومة بديلة عن حكومة اليمين وهذا هو المستحيل بعينه.
وحيث كان شرط انضمام ليبرمان في الدورة السابقة هو أن يظفر بوزارة الدفاع، فإن شرطه هذه المرة هو منع ما يراه من تحول للدولة من دولة يهودية إلى دولة دينية، ومن الانتقال بالحكومة من موقع اليمين السياسي إلى اليمين الديني، لذا فقد أصرّ على مواصلة التصويت بالقراءة الثانية والثالثة لمشروع قانون التجنيد كما صوّت عليه الكنيست العشرون السابق، الأمر الذي تقف ضده تماما «يهوديت هتوراة» و»شاس».
وقد زاد طين تعثر التشكيل الحكومي بلة، أن زادت أطماع شركاء «الليكود» في التشكيل الحكومي، فكحلون يريد الاحتفاظ بوزارة المالية وليبرمان بالدفاع، فيما الداخلية للمتدينين، وهكذا لا يبقى لليكود من الوزارات الرئيسية سوى حقيبة الخارجية، كذلك طالبت الأحزاب بعدد من الوزارات بلغ 4 لكل حزب، وبصلاحيات تمس الميزانية، بحيث صار الأمر غير محتمل على «الليكود»، الذي لو خضع لكل ما يريده الشركاء لبات الأمر به كما لو كان خسر الانتخابات أو كما لو كان هو الشريك الأصغر، هذا رغم أنه يمتلك وحده، عددا من المقاعد البرلمانية تزيد على كل ما لدى الشركاء من أحزاب اليمين بخمسة مقاعد فهو حاز 35 مقعدا فيما فاز كل الشركاء بـ 30 مقعدا فقط.
ما لم يحدث تراجع أو معجزة في اللحظة الأخيرة فإن إجراء انتخابات أخرى، دون تشكل حكومة ناجمة عن الانتخابات السابقة سيعني فشلا ذريعا لليمين حتى في حال فوزه بنتائج الانتخابات، ولا شك بأن هذا سيكون عاملا مؤثرا بشكل سلبي على خيار الناخب الإسرائيلي لأحزاب اليمين، كذلك فإن الناخب سيتساءل عن جدوى التصويت مجددا ليمين غير متجانس والذي يعجز عن تشكيل الحكومة حتى حين يفوز بنتيجة الانتخابات.
ولعل فشل اليمين الإسرائيلي بعد ستة أسابيع من تكليفه تشكيل الحكومة، قد ألهب حماس أحزاب المعارضة من الوسط واليسار، فنظموا تظاهرة قبل أيام للتنديد بمحاولة نتنياهو استصدار قرار بتحصينه ضد تهم الفساد، بما يعني بأن فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة قد قوّى من المعارضة التي غابت خلال السنوات الماضية عن المشهد السياسي، بل وأنها قد بدأت حملتها الانتخابية مبكرا وقبل الإعلان رسميا عن حل الكنيست الجديد!
قد يكون نتنياهو الذي ركز في الانتخابات السابقة على تعزيز فرص اليمين أكثر من الاهتمام بالليكود قد ارتكب غلطة الشاطر، حين كان عرّاب ظهور اتحاد أحزاب اليمين، ولم يهتم سلفا باتخاذ موقف احترازي، حين كان ليبرمان يترنح بين احتمال تجاوز نسبة الحسم من عدمه، بعقد الاتفاق على مشروع قانون التجنيد، لكن يبدو بأن نهاية الرجل السياسية قد اقتربت، وربما يأخذ معه حقبة طويلة من حكم متواصل لليمين الذي تحول من يمين علماني إلى يمين متطرف وديني.
[email protected]
أضف تعليق