ما هِي الأسلحة “السريّة” التي هدّد قائد في الجيش الإيراني باستِخدامها لإغراق السّفن الأمريكيّة؟ وهل ستَلجأ أمريكا إلى الضّربات “الجِراحيّة” للرّد على الهَجمات الثّلاث التي استهدفت مصالحها وحُلفاءها؟ وماذا سيفعل 1500 جندي لحِماية 80 ألفًا في مِنطقة الشرق الأوسط؟
عبد الباري عطوان
لا نُجادل مُطلقًا في صُدقيّة النظريّة التي تقول إنّ الحرب خدعة، ولكن عندما نُحاول تطبيقها على ما يجري حاليًّا من تحشيدٍ في مِنطقة الخليج العربي للقوّات والسّفن وحاملات الطائرات نتوصّل إلى نتائجٍ عكسيّةٍ تمامًا تعكِس ارتباك الإدارة الأمريكيّة، وغِياب أيّ وضوح في استراتيجيّتها التي فشِلت حتّى الآن في إرهاب الخصم وإجباره على الاستِسلام.
لنأخُذ قرار الرئيس دونالد ترامب الذي أعلن فيه عن إرسال 1500 جندي إلى القواعد الأمريكيّة في المِنطقة تحت عُنوان حماية القوّات الموجودة فيها في ظِل تصاعد تهديدات الحرس الثوري الإيراني، كمثالٍ واضحٍ على هذا الارتِباك، أو بالأحرى “الغُموض”، فماذا يُمكن أن يفعل هذا العدد الصغير من القوّات في حماية قوّات أمريكيّة في مِنطقة الشرق الأوسط يصِل تِعدادها إلى 80 ألف جندي من ضَمنها 14 ألف جندي في أفغانستان، وحواليّ ثمانية آلاف أخرى في سورية والعِراق؟ فعلى من يضحك الرئيس ترامب؟ على نفسه أم شعبه، أم دول المِنطقة التي وعدها بحمايته؟
الرئيس ترامب نفسه نفى تقارير إخباريّة نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” قبل أسبوع تحدّثت عن دراسة وزارة الدفاع (البنتاغون) خطّة لإرسال 120 ألف جندي، وها هو يُعلن عن إرسال هذه الدّفعة الصّغيرة من القوّات، فهل هي مُقدّمة لإرسال الكميّة المذكورة على دُفعات؟ أم أنّها لذر الرّماد في العُيون؟
إذا كانت التّهديدات الإيرانيّة للقوّات الأمريكيّة في المنطقة على درجةٍ عاليةٍ من الخُطورة والجديّة مثلما قال الجنرال باتريك شاناهان، وزير الدفاع بالإنابة، فهل تُواجه هذه التّهديدات بهذا العدد القليل من الجنود؟ أم أنّ المخفي أعظم؟
***
نعترف بأنّنا لسنا خُبراء في الشؤون العسكريّة، ولكن الرئيس ترامب وصقوره مثل بولتون وبوميبو، مثلنا تمامًا، ولكن التحرّكات العسكريّة للجُنود والقوّات مثلما هو معروف تأتي تطبيقًا لقرار سياسيّ استراتيجيّ جرى اتّخاذه مُسبقًا على أعلى المُستويات، ولذلك فإنّ السّؤال هو، ما هي طبيعة هذا القرار وكيف سيتم تطبيقه؟
الاتّهام المُباشر، والمُتصاعد، للحرس الثوري بالوقوف خلف الهُجوم الذي استهدف 4 ناقلات نفط عملاقة قبالة سواحل الفجيرة الإماراتيّة، وكذلك إطلاق صاروخ على المنطقة الخضراء العِراقيّة قُرب السفارة الأمريكيّة، يُوحي بأنّ احتمال شن هجوم انتقامي أمريكي على مصالح إيرانيّة ما زال واردًا، وما يجعلنا نصِل إلى هذه النّتيجة ما قاله الرئيس ترامب بأنّ بلاده سترُد على أيّ هُجوم يستهدف قوّات بلاده ومصالحها، أو مصالح حُلفائها في المنطقة.
إذا كان هُناك رد أمريكيّ مُتوقّع فإنّ السّؤال هل من خلال هُجوم كاسح وحرب مُوسّعة ضد إيران، أم عبر توجيهه ضربات “جراحيّة” على مواقع عسكريّة رئيسيّة في العُمق الإيراني، ثم كيف سيكون الرّد الإيراني في الحالين؟
لا نملك، ولا غيرنا من المُراقبين، إجابةً واضحةً في هذا المضمار، لكن لا بُد من الإشارة إلى مسألةٍ مُهمّةٍ، وهي أنّ الولايات المتحدة عندما شنّت هُجومًا على العِراق عام 2003 بهدف احتلاله وتغيير نظامه، كانت تستهدف بلدًا واحِدًا معزولًا، وبِلا أصدقاء، وخارج للتّو من حرب استنزاف ورّطته فيها، استغرقت ثماني سنوات، وخضع لحصار تجويعي غير مسبوق في التّاريخ بعدها، ومدعومة، أي الولايات المتحدة، بتحالف يزيد عن 33 دولة، بعضها دول أوروبيّة شِبه عُظمى، ولكنّ الحال مُختلف جذريًّا في أيّ حربٍ قادمةٍ ضِد إيران.
ما نُريد أن نقوله أن أمريكا تُواجه عدوًّا عقائديًّا مُتعدّد الأذرع، وفي أكثر من دولة، وهذه الأذرع، قادرة، إذا ما جاءت التّعليمات، لفتح أبواب الجحيم على حُلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، وعلى رأسهم دولة الاحتلال الإسرائيلي وعلى أكثر من جبهة.
الإدارة الأمريكيّة إذا قرّرت خوض الحرب ضد إيران ستكون وحيدة، وبدون دعم شعبي ولن يكون بجانبها إلا دولة الاحتلال، وبعض الدول الخليجيّة ذات الوزن الخفيف، لا تملك إرثًا عسكريًّا لافتًا، لحسم الحرب في اليمن ضد حركة “أنصار الله” الحوثيّة رغم استخدام كُل ما في جُعبتها من أسلحةٍ وطائراتٍ ومَعدّات أمريكيّة مُتطوّرة على مدى خمس سنوات تقريبًا.
الرئيس حسن روحاني قال بالأمس إنّ بلاده سترد بقوّةٍ حتى لو تعرّضت إلى ضربات صاروخيّة أمريكيّة، ولن ترفع راية الاستسلام، أمّا الجنرال حسن سيفي، مساعد قائد الجيش الإيراني، فأكّد أنّ القوّات المسلّحة الإيرانيّة موجودة في لبنان، واليمن، وأفغانستان، وفِلسطين، وغزّة، وفي وسع بلاده إغراق السّفن الأمريكيّة باستخدام صواريخ وأسلحة سريّة، ومن المُؤكّد أنُه يقصد الضفّة الغربيّة عندما تحدّث عن فِلسطين.
ربّما تأتي هذه التّهديدات الإيرانيّة في إطار الحرب النفسيّة، ولكنّها تظل رسائل على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة، ومن الواضح أنّ القيادة الأمريكيّة تأخذها على محمل الجد بدليل أن وزير الخارجيّة الأمريكيّ طار إلى بغداد من أجل توفير الحماية لقوّاته في العِراق بعد وصول معلومات مُؤكّدة بأنّها باتت تحت رحمة صواريخ الحشد الشعبي العِراقي المنصوبة باتّجاه القواعِد التي تتواجد فيها.
***
لا نعتقد أن احتمالات الحرب تراجعت كُلِّيًّا، ولكنّنا لا نتردّد في القول إن الإدارة الإمريكيّة خسرت الكثير من ماء وجهها عندما حاولت حتّى الآن امتصاص ضربة النّاقلات أوّلًا، والصّاروخ التّحذيري على المِنطقة الخضراء ثانيًا، وغارة طائرات الحوثيين المُسيّرة على أهداف نفطيّة سعوديّة ثالثًا، حتّى لو كانت الأخيرة كرد دفاعي على غارات سعوديّة على اليمن، مِثلما تُؤكّد القيادة الحوثيّة، في إطار سياسة النّأي بالنّفس، وتأكيد الاستقلاليّة.
قُنبلة الحرب الموقوتة تتضخّم يومًا بعد يوم وهي في انتظار المُفجّر، إنّه فِعلًا صِراع إرادات، ولا نعرِف من يصرُخ أوّلًا، سواء في ميدان الحُروب، أو على مائدة المُفاوضات، سريّةً كانت أم علنيّةً.. واللُه أعلم.
[email protected]
أضف تعليق