بقلم: مارون سامي عزّام
غَاصَت عيناي في أعماق وجهي الأسمر من شدّة خجلي. كم تمنّيتُ أن أرقص معكَ في تلك الليلة فوق مَرقص واقعنا، ولكن... لا أدري ما الذي جعلني أرفضُ مراقصتكَ، دون اعتذار لائق منّي! هل هو رهبة حضوركَ؟! أم خوفي ممّن حولي؟! لستُ أدري...
أرجوك اعذرني، فأنا مخطئة... مُجحفة بحقّك. فكَّرتُ كثيرًا في تصرّفي غير اللائق معكَ. ما طلبتَهُ منِّي لم يكُن مستحيلاً أبدًا، فإنكَ لم تطلُب سوى مراقصتي، لكنّي تعمّدتُ ألاّ أسمعكَ، فلمْ أتحرك. خُيِّلَ لي أنّك تدعوني إلى مصارعة ثور القَدَر، ليرفس منديل اعتزازي بنفسي، ليخترقه عنوةً. فوجئت لاحقًا أنه تبلّل بندى ندمي على فعلتي معكَ.
خطوتَ نحوي بجرأة، وفكَكتَ أزرار قميص التكلّف الذي قيّد حركتكَ تلك الليلة، أثبتَّ لي أنّك حقًا فارس الشجاعة، لكن كبريائي تصدّت لك في تلك اللحظة الحرجة، لماذا لم أُقدّم اعتذاري لك عن الرّقص حينها؟! لا أجدُ الإجابة على السؤال. شعرتُ أنّ جسَدي قد شُلَّتْ حركته فجأةً، لأنّ تصرفي كان طائشًا وصبيانيًّا، لا يليق بفتاة مثلي، تقدّر اهتمام الآخرين بها، على الرغم من وجود شهود على ذلك، لكنّهم أرخوا لي حبْل التّصرّف، ولم يمنعوني من ممارسة يوغا تأملاتي أمامك، للأسف لم يأبهوا بكَ، ولم يقرعوا جرس انتباهي المعلّق على حاجز سهوي.
ما زلت أعيش على ذكرى تلك الليلة الخريفيّة، التي بعثرَت نظراتي إليك، حتّى أبعَدتُها عنكَ بقسوة، فعادت إلى ريف سكوني. أرفض مراجعة أحداث تلك الليلة، لخوفي من أن تتعطّل آلة الزّمن بي وتتوقف عنده. ها أنت اليوم تعاملني بجفاء، كلما لمحتني في أي مكان... تُنزلُ عليّ صواعق توبيخكَ الصّامت، إلى أن باتت تهدّدني بهدم هيكل احترامك لي، فتجعلني أصرخ من أعماقي لأقول: "أنا مذنبة... أنا مخطئة سامحني".
شعرتُ أنّ قلبي تحوّل إلى حبّةِ خردل صغيرة، لا أدري كيف نبتت في صدري دون أن أشعر، وكأنّ فانوس الجان سَحَرها. لذا اعذرني صديقي... لا تلُمني... أأنا معذورة أم مغرورة!؟ صدّقني لا أعي ما أقول... صرتُ أهذي، وعلى بشرَتي بدأت أحاسيسي تتشابك وشرودي، إلى أن تداخلت بعضها ببعض، متحكمة بنفسيّتي المتعبة، لرفضي مراقصتك، فاعذرني.
لن يهدأ بالك أيّها النّظاميّ، إلاّ عندما ترغمني على دخول دائرة النّظام الاجتماعي، أحمِل بين يدَي رزمة كبيرة من الأوراق، تحمل بيانات طلب اعتذاري. أنتظر خارجًا قدوم دوري، كالمحتاجين الواقفين في الطابور على باب الشّؤون الاجتماعية، لأسجّل طلبي أوّلاَ في سِجِل الذّوق الاجتماعي، إلى أن يمر جميع المراحل البيروقراطيّة، وعندما يصلكَ للنّظر فيه، ستقرر إذا كنتُ أستحق منكَ قبوله، ليكون ذا صبغة أكثر رسميّة.... أعلم أنك لن تقبَل طلب اعتذاري بسهولة، لا أتوقع غير ذلك، فأنت تكره التناقض الغريب في تصرفات الفتيات.
بصراحة سئمت مشهد تلك الليلة، فإنَّه يمُر أمامي يوميًا مثل قطارٍ بخاريّ يسير ببطءٍ، أحاول إِنزاله عن سِكَّة ذاكرتي، فلا تُرغمني أنْ أنتزع من تحت جِلد حيائي بطانة تقديري لك... كفى يا عزيزي، ألسنا صديقَين منذ وقتٍ طويل كما تقول؟! مضى شهر، مرَّت أيّامه محمولة على رؤوس رماح الزمن، تحاول أن تُصيب أيِّ زاويةٍ من زوايا لوح اعتذاري المحطّم، لكنّها أخطأت الهدف، لأنّكَ حوَّلتَها إلى طائراتٍ ورقيّةٍ تحلّق حولك، كتَبتَ عليها: "صديقتي، لن أقبل اعتذاركِ الآن".
[email protected]
أضف تعليق