ما مدى صحّة التوقّعات التي تتحدّث عن حربٍ كُبرى على قِطاع غزّة تُعيد احتلاله هذا الصّيف؟ وكيف سيكون الرّد عليها؟ وما علاقة التّوقيت بصفقة القرن؟ ولماذا لا نستبعِد نِهايةً لنِتنياهو في غزّة مُماثلةً لسلفِه أولمرت في لبنان؟
من يُتابع تحليلات الجِنرالات الإسرائيليين وبعض المتحدثين باسم فصائل المقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، يجد أن القاسم المُشترك بينها هو الحديث عن عمليّةٍ عسكريّةٍ إسرائيليّةٍ “مُؤكّدة” تستهدف قطاع غزّة في أشهر الصّيف المُقبلة.
السيد زياد النخالة، أمين عام حركة “الجهاد الإسلامي” ربّما كان الأكثر وضوحًا عندما قال في مُقابلةٍ مع “الميادين” بعد عودته من زيارةٍ للقاهرة “ما حدث من مُواجهات في قطاع غزّة قبل أيّام هو مُناورة بالذّخيرة الحيّة، استعدادًا للمعركةِ الكُبرى التي نراها آتيةً لا محالة هذا الصّيف”.
بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، المُقِل في الكلام هذه الأيّام بسبب انتكاسته الأخيرة في غزّة، قال في اجتماعٍ مع قادة المنطقة الجنوبيّة في الجيش الإسرائيلي “المُواجهة لم تنتهِ بعد.. إسرائيل تُواصِل استعدادها لموجةِ مُواجهةٍ جديدةٍ في القِطاع”.
هُناك شُكوك لدى مُعظم المسؤولين في حركة “حماس” بالتِزام نِتنياهو بشُروط اتّفاق وقف إطلاق النّار الأخير، وأبرزها تخفيف الحِصار، وتوسيع مناطق الصيد البحريّ إلى عُمق 15 ميلًا، وفتح المعابر، والسّماح للأموال القطريّة بالدّخول دون عوائِق، وهُناك اعتقاد بأنّ نِتنياهو وافق عليها على مضض لأنّه يُريد فُسحةً من الوقت لتشكيل حُكومته الجديدة أوّلًا، وإقامة مهرجان “اليوروفيجن” للأغنية في موعده دون مُنغّصات لأنّ الهدف منه حملة علاقات عامّة إسرائيليّة إلى العالم تُؤكّد أنّ إسرائيل دولة طبيعيّة يسودها الأمن والاستقرار وتُشكّل معلمًا سياحيًّا عالميًّا جاذبًا وجذّابًا.
***
تشكيلة حُكومة نِتنياهو الجديدة، والمُتوقّع إعلانها خلال الأيّام القليلة المُقبلة ربّما تعكس ملامح خُططه في ميدانين مُهمّين: الأوّل صفقة القرن التي من المُفترض أن يُعلنها الرئيس دونالد ترامب وصِهره مع انتهاء شهر رمضان الحالي، والثّاني كيفيّة تعاطيه مع الخطر القادم من قِطاع غزّة.
وجود إفيغدور ليبرمان في هذه الحُكومة يعني أنّ نِتنياهو رضخ لشُروطه التي رفضها قبل الانتخابات، وأدّت إلى استقالته من وزارة الحرب، أيّ شن هُجوم برّي مُوسّع على قِطاع غزّة، واجتثاث فصائل المُقاومة، ونزع أسلحتها، ولكن هذا لا يعني أن الحرب القادمة، أو المُحتملة على القِطاع، لا يمكن أن تتم في حال غياب ليبرمان عن التّشكيلة الحُكوميّة.
بعض التّسريبات الإسرائيليّة تقول إن مشروع انسحاب شارون من قطاع غزّة من جانبٍ واحد عام 2005، لم يُحوّل القِطاع إلى سنغافورة جديدة، بل إلى هانوي جديدة وأعطى نتائج عكسيّة تمامًا، وتحوّل إلى قاعدة صلبة للمُقاومة فشلت كُل الحِصارات الخانقة في تركيع مِليونيّ فِلسطيني فيه، وتُشير هذه التّسريبات إلى وجود خطّة إسرائيليّة بشن عمليّة بريّة طويلة الأمد في عُمق القِطاع، وتقسيمه إلى ثلاث مناطق، وإقامة قواعد عسكريّة إسرائيليّة في كُل منها بعد القضاء على جميع فصائل المُقاومة، ونزع سلاحِها، وضخ مِليارات الدولارات لتحسين أوضاع السكّان سواءً في إطار صفقة القرن أو بُدونها.
ربّما تأتي هذه التّسريبات، أو بعض مضامينها، في إطار الحرب النفسيّة، ولكن وجود الدبّابات الإسرائيليّة في حالة تأهّب قُرب حُدود القِطاع يُوحي بأنّ هُناك بعض المِصداقيّة لها، خاصّةً أنّ حُكومة نِتنياهو لم تُطبّق حتى الآن أيّ من شُروط وقف إطلاق النّار.
تجربة الإسرائيليين مع قِطاع غزّة سواء أثناء الاحتلال أو بعده لم تكُن ورديّةً على الإطلاق، بل مُقلقةً ومُكلفةً في الوقت نفسه، وأيّ عُدوان جديد سيكون أكثر كُلفةً ماديًّا وبشريًّا بالنّسبة إلى أيّ حُكومة تُقدِم عليه، وربّما تكون هذه الكُلفة أكثر بكثير من تلك التي تكبّدتها حُكومة أولمرت أثناء عُدوانها على لبنان عام 2006، وفشِلت في تحقيق نتائجها في إنهاء المُقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة بزعامة “حزب الله”، لأنّ صواريخ المُقاومة أكثر دقّةً وتدميرًا.
نشرح أكثر ونقول أن فصائل المُقاومة ستُدرك جيّدًا أنّ أيّ عدوان إسرائيليّ جديد يتجرّأ قادته على اجتياح القطاع سيكون بهدف القضاء عليها، ولهذا ستُقاتل بشراسةٍ، وتستخدم كُل ما لديها من أسلحةٍ دون تردّد، وخاصّةً الصّواريخ بأبعادِها وأحجامها كافّةً.
السيد خليل الحية، عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” قال في لقاء مع الصحافيين أمس أنّه بعد أن وصلت الصّواريخ إلى أسدود وعسقلان، أيّ 40 كيلومترًا في عُمق فِلسطين المحتلة، هروَل نِتنياهو طلَبًا للوسطاء والوساطات، أمّا السيد أبو حمزة، المتحدث باسم سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة “الجهاد الإسلامي” فكشف أنّ استخدام حركته صواريخ “بدر 3” في الحرب الأخيرة البالغة الدقّة، وذات القُدرة التدميريّة العالية، وربّما هذا يُفسّر ما قاله السيد النخالة (أبو طارق) بأنّه لو استمرّ إطلاق النّار يومًا واحِدًا، لوصَلت الصّواريخ إلى تل أبيب ومُختلف المُدن الأُخرى.
***
المُقاومة أطلقت 690 صاروخًا في حرب اليومين الأخيرة، اعترف الجيش الإسرائيلي باعتراض 240 منها، ممّا يعني أن القُبب الحديديّة فشِلت في اعتراض 450 صاروخًا وصلت إلى أهدافها، وثَبّت الرّعب في نُفوس الإسرائيليين، ودفعت مِئات الآلاف منهم إلى الملاجئ أو الهرب شمالًا طلبًا للأمان.
صفقة القرن لن تمُر، ليس لأنّها سيّئة وبُنودها مُهينة، وإنّما لأنّ هُناك شعبًا سيُقاومها في الضفّة والقِطاع معًا، وكُل التّسريبات الأخيرة حولها مُجرّد بالونات اختبار إسرائيليّة لقِياس ردود الفِعل الفِلسطينيّة والعربيّة.
إسرائيل احتلّت قطاع غزّة والضفّة الغربيّة، وهُزِمَت وأُهينِت في الأوّل، وفي طريقها لإهانة وهزيمة أكبر في المِنطقتين، لأنّ صفقة القرن ستَعني نهاية السّلطة وعودة الضفّة لأصحابها ووضعها الطبيعيّ كأرضٍ تحت الاحتلال تستدعي المُقاومة بأشكالها كافّة.
الثّورة الفِلسطينيّة عائدةٌ بصورةٌ أقوى من أيّ وقتٍ مضى، ونهاية نِتنياهو قد تكون في قطاع غزّة، مثلما كانت نهاية سلفه إيهود أولمرت في جنوب لبنان، ففي قِطاع غزّة رجال ومُقاومة مُؤمنة، تحظى بدعمِ محور لا يبخل عليها بالمال والسّلاح، ومُتحرّرة بالكامل مِن نُفوذ المُطبّعين وأموالهم.. والأيّام بيننا.
[email protected]
أضف تعليق