فرصة أولى منحت للفرقاء الفلسطينيين، حين اضطر البيت الأبيض الأميركي إلى تأجيل إعلان صفقة العصر، بمناسبة تقديم موعد انتخابات الكنيست الإسرائيلي العشرين، ثم فرصة ثانية تلت الأولى، حين ظهر الخلاف فجأة داخل حلفاء الليكود، أي معسكر اليمين الفائز بالانتخابات، ما بين يمين علماني ويمين ديني/حريدي حول مشروع التجنيد، بما يعني أن الحكومة القادمة لن ترى النور سريعاً كما كان متوقعاً، وحيث كان عرّابو صفقة العصر قد أعلنوا في العام الماضي بأنهم لن يعلنوا عن خطتهم للحل الدائم للصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، إلا بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية، ومن ثم تشكيل الحكومة الجديدة، فها هو جاريد كوشنير صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكبير مستشاريه وقائد الفريق الذي اعد الصفقة يقول بأن الصفقة ستعلن في حزيران القادم، أي أنه قد منح الوقت اللازم حتى تتشكل الحكومة الإسرائيلية من جهة ومن جهة ثانية حتى يمر شهر رمضان وكذلك عيد الفطر.
يرى طاقم الصفقة الأميركية إذاً أنه قد آن الأوان لإعلان الخطة والشروع في فرضها على الأطراف وبالتحديد الطرف الفلسطيني، لأن الظروف مواتية بتقديرهم وكما هو في حقيقة الأمر واقع الحال، ويقيناً نقول الآن بأنه ليس إعداد الخطة التي لم تطرح على الجانب الفلسطيني ولا حتى العرب، على الأقل بتفاصيلها، إلا ما كان يعلن بين فينة وأخرى من تسريبات، أو ما يتم تقديره من واقع قرارات البيت الأبيض، خاصة المتعلقة بالقدس واللاجئين والجولان، ومن مواقف وتصريحات أفراد الطاقم المعد للخطة، وبالتحديد كل من جاريد كوشنير، جيسون غرينبلات وديفيد فريدمان، نقول ليس إعداد الخطة هو الذي احتاج كل هذا الوقت، أي نحو عامين، بل جس النبض على الصعيد العربي، والوقوف عند ردود الفعل، أي قراءة الظروف الإقليمية والمحلية الفلسطينية اللازمة والضرورية لتمرير الخطة.
على الصعيد الداخلي أو المحلي الفلسطيني ما زال الانقسام قائما، بل إنه قد فتّ في عضد الكل الوطني، حيث كان بمثابة "التسوس" أو المرض السرطاني الذي أكل من اللحم الوطني الحي، خلال نحو اثني عشر عاما، ورغم أن الشعب الفلسطيني إن كان في القدس أو الضفة الغربية أو قطاع غزة، قد أبدى وما زال يبدي كل ما يشير أو يؤكد استعداده لمواصلة الكفاح الدؤوب والتضحيات الجسام على طريق حريته وانعتاقه، إلا أن انقسام الرأس القيادي، قد اضعف قدرته ليس على الصمود، فالصمود متحقق ولكن على كسر معادلة الواقع القائم والضغط على الاحتلال، لإجباره على الانسحاب، ولعل محاولة الشعب أكثر من مرة اجتراح انتفاضة ثالثة أو إطلاق ثورة شعبية عارمة في وجه الاحتلال سرعان ما كانت تهمد بسبب الانقسام الذي لا يلقي بظلاله السوداء على التمثيل أو المستوى السياسي الرسمي، بل وهذا الأهم على وحدة الميدان المقاوم للاحتلال الإسرائيلي، وعلى جبهات مقارعته كلها، إن كان على السياج الحدودي لغزة أو داخل أروقة القدس أو إزاء نقاط التماس في الضفة الغربية.
أما على الصعيد العربي، فقد تهيأت الظروف تماما بعد جملة من خطوات التطبيع الصفيقة التي أقدم عليها غير نظام خليجي والتي رافقها تشدق أوداج أكثر من إعلامي وكاتب خليجي غزلا بإسرائيل، وبعد أن اقتنعت جلّ دول الخليج بأن عدوها الأول هو إيران وليس إسرائيل، وبعد أن بات واضحا استعداد تلك الدول على تجاوز الملف الفلسطيني في تطبيع علاقاتها رسميا بعد جملة خطوات التطبيع العملي والفعلي التي جرت، وبالطبع فإنه على الصعيد الإقليمي والدولي فلن تكون القابلة أكثر حرصاً من الوالدة على الولد، كذلك فإن بقاء اليمين الإسرائيلي في الحكم، وهو الذي اعد طاقم الخطة الأميركي خطته بالشراكة معه، يعني بأنه جاهز تماما لتنفيذ الخطة، وأنه بعد جملة الهدايا التي قدمها ترامب وهي بمجموعها سعت إلى تهيئة الأجواء لتمرير الخطة بعد عدة صدمات كهربائية خاصة المتعلقة بالقدس والجولان، فإن الفرصة سانحة تماما لتحقيق ما لم يتحقق لإسرائيل منذ أكثر من خمسين عاما أي منذ عام 1967 .
إعلان الخطة في حزيران القادم، بل الذي هو على الأبواب تماماً، ينطوي على مفارقة واضحة وهي ذكرى الحرب التي جعلت من القدس والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة أرضا محتلة، أي أن ديباجة الخطة قد تتضمن: انه نزولا عند وضع حد لنتيجة الحرب يتقدم البيت الأبيض بهذه الخطة للحل!
لن نضيف القول بأن الخطة هي أيضاً خطة لإعادة ترتيب المنطقة بما في ذلك حدود العديد من الدول العربية التي على اقل تقدير ستكون مفتوحة أمام إسرائيل ونفوذها الإقليمي براً وبحراً وجواً، بما يهدد ليس فلسطين وأرضها وشعبها فقط، بل دولا عربية أخرى، خاصة دول الجوار، ونقصد سورية/الجولان، والأردن ولبنان، ضمن شعار الحدود الإسرائيلية الآمنة، لكن المهم هو أن إعلان الخطة سيكون بمثابة إعلان الحرب على الشعب الفلسطيني وعلى حقوقه ومستقبله، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لأن الإعلان يفتح الباب واسعاً أمام إسرائيل لتطبيع احتلالها للأرض وتجاهل القانون الدولي والواقع الفعلي لكون الأراضي التي احتلها عام 67 أراضي محتلة، وهي تقطع الطريق تماماً أمام الحل الوسط التاريخي الذي تطلع الشعب الفلسطيني عبره إلى إقامة دولته المستقلة التي لا تحقق كل حقوقه التاريخية لكنها تحقق له الحد الأدنى من تلك الحقوق.
كذلك الجميع على قناعة بأن كل الأطراف الفلسطينية بما في ذلك حركة حماس المسؤول الأول عن الانقسام الداخلي، إنما هي رافضة للخطة الأميركية، ولا يمكنها أن تتعاطى معها، لكن إسرائيل وأمريكا تعرفان هذا جيدا، وهما تعتمدان على الرفض الفلسطيني الرسمي، لتنفيذ الخطة، فما أن تعلن ومن ثم يعلن الجانب الفلسطيني رفضه لها، حتى تسارعان إلى القول بفرضها، وتنفيذها من جانب واحد !
فقط رفض عملي وميداني هو الذي يمكنه أن يحبط الخطة أو أن يقف في طريق تنفيذها، والبوابة الإجبارية لهذا هي إنهاء الانقسام فورا، ودفعة واحدة، ودون تردد أو إبطاء، ذلك وإلا فإن مرحلة جديدة من الصراع ستنشأ وسيكون الشعب الفلسطيني وربما الشعوب العربية معه في مواجهة مفتوحة مع الاستعمار الجديد الذي بدأ بوصول ترامب إلى البيت الأبيض.
[email protected]
أضف تعليق