كيتي واكسبرجر *
من السليم مقاومة الكيانات العنصرية والقمعية في منطقة الشرق الأوسط، وهناك طرق عديدة لرفض شرعية الهيئات القمعية. وعندما يتعلق الأمر بالقمع الصهيوني للفلسطينيين، لا بد من التفكير والتساؤل عن الأسباب وراء معارضتنا لدولة إسرائيل والطرق لتجسيد تلك المعارضة. يجب أن نحدد طريقة المعارضة الأكثر فعالية في تفعيل حقوق الإنسان للفلسطينيين وتحقيق حلم دولة فلسطين.
أولا: أريد أن أعترف أن إسرائيل دولة واقعية سياسية (وإن كانت تلك حقيقة سلبية من حيث حقوق الإنسان العرب في فلسطين وتمثل النفوذ الاستعماري الأمريكي المستمر في المنطقة) يتكون عشرون في المئة منها من الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية والأغلبية العربية في السكان اليهود الإسرائيليين (“اليهود الشرقيين” أو بالعبرية، “مزراخييم”، الذين قدموا من الدول العربية)، وتضم أيضا الإسرائيليين اليهود الذين يعارضون أيديولوجياً احتلال الأراضي الفلسطينية وتقنين الأبهرتايد في الجهاز القانوني للدولة وتطبيع العنف في الخطاب العام. والعديد من هؤلاء اليهود الإسرائيليين المعارضين يعملون كنشطاء وأكاديميين ومتطوعين مع الفلسطينيين من أجل تغيير الوضع السياسي الراهن (مثل: المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، “بتسيلم”، مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، مقاتلون من أجل السلام، كسر الصمت، وغيرها الكثير). وحاليا فإن “اليسار” السياسي الإسرائيلي ضعيف ومضطهد وأعضاؤه مدانون كخونة. ولدى هؤلاء الإسرائيليين الذين يعيشون داخل الدولة الصهيونية القدرة على التأثير في الحالة السياسية من داخل شبكات سياسية واقتصادية وثقافية في فلسطين المحتلة.
وإحدى الطرق التي يتعامل بها العديد من الناس في جميع أنحاء العالم مع الاحتلال هي رفض كل تفاعل مع أشخاص أو شركات تنتمي إلى إسرائيل – أي المقاطعة – وطريقة الاحتجاج هذه تشمل خصائص عملية وعاطفية. ينبع الرفض لجميع التفاعلات مع أي كيان إسرائيلي من منطلق الرغبة في إضعاف الدولة الصهيونية، ومن ألم ذكريات المأساة الفلسطينية وظلمها الفاجع، وأحيانا ينبع من ضغط البيئة السياسية، وينبع بين الحين والآخر من الرفض الكامل للعواقب الاجتماعية. كما أن أغلب الرافضين للحوار مع سكان الدولة اليهودية يعترضون على قبول الوضع السياسي الذي يتضمن احتلال فلسطين. لكن رفض التفاعل مع كل كيان إسرائيلي يعني رفضَ مواجهة الواقع بقالبه الحقيقي وليس لديه القدرة على تغيير هذا الواقع، فتجاهل وجود إسرائيل لن يجعل المشكلة تختفي
هل من الممكن أن نفرق بين الكيانات داخل إسرائيل التي تستفيد من الوضع الراهن سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وبين الأفراد والمنظمات الذين يقاومون ضد العنصرية والفاشية التي تشكل الحياة اليومية للفلسطينيين؟
لو كان هناك تعاون بين معارضي الاحتلال من داخل الأراضي المحتلة ومن خارجها فيمكن أن يكون له زخما قويا، ويستطيع أن يستفيد من القوة الاقتصادية والسياسية في المجتمعات الداخلية والخارجية. علاوة على ذلك فإن تقارب الناشطين من دول العرب ومن المجتمعات اليهودية سيكون لديه القدرة لجذب الدعم الدولي وتقدير قادة العالم. مع ذلك ليس هناك تعاون في الوقت الراهن لأنه يتطلب الحوار الأساسي أولا ويتطلب هذا الحوار اعترافا متبادلا واحتراما.
ربما يكون الحل الحاسم للقضية هو الحوار مع اليسار الإسرائيلي لتعريف العدالة وتفاصيلها الدقيقة، وتظل إمكانية التعاون في ظل تقدم المعارضة ضد الاحتلال مستحيلة طالما كان هناك اختلاف في تفسير مفهوم “الاحتلال”. أقصد أن بعضا من معارضي الاحتلال يؤمنون بتحرير الأراضي المحتلة عام 1967 وقيام دولة فلسطينية في جزء صغير من فلسطين التاريخية، ويؤمن بعض آخر بضرورة تحرير كل فلسطين التاريخية (حدود عام 1948)، وبالإضافة إلى ذلك هناك معارضون يرغبون بإلغاء إسرائيل وسكانها بشكل مطلق. من الواضح أن سكان الدولة اليهودية يريدون البقاء في الأرض التي فيها منازلهم وعائلاتهم ولكن هناك اختلاف داخل المجتمع الإسرائيلي أيضًا؛ بعض الناس في اليسار الإسرائيلي يعارضون احتلال الضفة الغربية فقط بينما يرفض بعضهم مفهوم الدولة اليهودية والأيديولوجية الصهيونية تماما.
هذه الاختلافات مهمة ولكل منها شرعية ولكنها لن تغير الواقع السياسي بأن هناك نظام قومي فعال وناجح اسمه اسرائيل فيه مواطنون بدون مكان بديل للعيش. بغض النظر عن تعاريفنا المختلفة للاحتلال فإلغاء الدولة الصهيونية بات مستحيلا وعلينا أن نفكر بطرق تحقيق الحق الفلسطيني في إطار المستطاع.
إن تفاصيل العدالة فوضوية فعلا، والكارثة لن تحل بسرعة أو بسهولة، لكنني فقط أدعوكم للاستماع والتفكير. يمكن للتفاعل بين العرب والإسرائيليين أن ينبع من إرادة مشتركة لتحرير الفلسطينيين من القمع. لن نعرف ما هي النتائج المحتملة التي نستطيع أن نحققها معا بلا حوار.
أخيرا، علينا أن نتذكر أننا من نفس القبيلة البشرية ولدينا تجارب مماثلة: تجربة الخوف وتجربة الفخر؛ تجربة الأبوة وتجربة الطفولة، وقلق من شعور انعدام الأمان والانتماء. كلنا أجزاء في أنظمة أكبر من فهمنا لا تسمح لنا بتشكيل صورة مستقبل المجتمع والسياسة بشكل مباشر. وحتى الدول الديمقراطية لديها أعمال داخلية وفساد تغيب عن الإعلام ووعي الجمهور، فهي تبيع أسطورة الهوية القومية مثلما يحدث في كل أنحاء العالم. علينا أن ندرك بشريتنا المشتركة، والأهم من ذلك، يجب أن نكون واعين لتأثير الأساطير التي تعلمناها طوال حياتنا على فهمنا لما هو صواب وما هو خطأ، ومن هو الصديق ومن هو العدو.
*باحثة أمريكية
[email protected]
أضف تعليق