ماذا يعني القرار الإيرانيّ بوضعِ القُوّات الأمريكيّة في آسيا والشّرق الأوسط والقرن الأمريكيّ على قائمة الإرهاب؟ هل هو ضوءٌ أخضرٌ لمُهاجمة هذه القوّات؟ وكيف حوّل نِتنياهو صديقه “ترامب” رئيسًا لحملته الانتخابيّة؟ ولماذا نتوقّع نتائج كارثيّة على بلديهما وحُلفائهما في المِنطقة العربيّة؟
عبد الباري عطوان
لا يُمكِن النّظر إلى القرار الأمريكيّ بإدراج الحرس الثوريّ الإيرانيّ على لائِحة الإرهاب بعيدًا عن التّصعيد الأمريكيّ على كافّة الصّعد ضِد إيران، مع اقتِراب موعد تطبيق المرحلة الثانية من العُقوبات الأمريكيّة مطلع شهر آيّار (مايو) المقبل لمنع أيّ صادرات نفطيّة إيرانيّة إلى الخارج، ولا نستبعِد أن تكون الخُطوة الاستفزازيّة هذه أحد فُصول الخُطّة الأمريكيّة الإسرائيليّة وشيكة التّنفيذ بعد هذا التّاريخ.
إنّ هذا القرار ليس أمريكيًّا وإنّما هو قرار إسرائيليّ بالدّرجة الأولى فضحه بكُل وضوع بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيليّ، عندما وجّه الشّكر لـ”صديقه” ترامب الذي استَجاب لطلبه في هذا الخُصوص.
الرّد الإيرانيّ جاء سريعًا وعلى أعلى المُستويات ابتداءً من السيد علي خامنئي، المُرشد الأعلى، مُرورًا بوزير الخارجيّة المُعتدل، محمد جواد ظريف، وانتهاءً بالرئيس حسن روحاني، وتمثّل في تصنيف جميع القوّات الأمريكيّة العامِلة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقرن الأفريقي على قائمة الجماعات الإرهابيّة.
الحرس الثوري الإيرانيّ لن يتأثّر بالقرار الأمريكيّ، ولكن القوّات الأمريكيّة هي التي قد تدفع ثمنه دمًا فيما هو قادم من أيّام، لأنّها قد تكون هدفًا لهجمات من أذرع إيران الضّاربة في لبنان وسورية والعِراق وباكستان ودول أُخرى.
***
منع عناصر الحرس الثوري الذي يُعتبر رسميًّا أحد ألوية الجيش الإيرانيّ من دُخول الولايات المتحدة لن يكون له أيّ قيمة على أرض الواقع، فهؤلاء لا يقِفون في طوابير طويلة أمام القنصليات الأمريكيّة للحُصول على تأشيرة دخول لقضاء إجازاتهم للتسوّق من أسواق ومحلّات الموضة فيها، أو في كاليفورنيا لقضاء إجازة في مُنتجعاتها.
الرئيس روحاني كان مُحقًّا في اتّهامه للولايات المتحدة بأنّها زعيمة الإرهاب الدوليّ داعمًا هذا الاتّهام بالتّذكير بإسقاط صاروخ أمريكي لطائرة مدنيّة إيرانيّة فوق الخليج عام 1998 وقتل 290 من ركّابها، ونُضيف من عندنا لائحة طويلة من المجازر التي ارتكبها الجيش الأمريكيّ قبل وبعد احتِلال العراق، وفاق عدد ضحاياها المِليونين.
الأمير محمد بن سلمان اعترف بالصّوت والصّورة في أحد مقابلاته التلفزيونيّة أن الولايات المتحدة هي التي طلبت من بلاده نشر المذهب الوهابي، ودعم العديد من المنظمات الإسلاميّة المُتشدّدة لقِتال الشيوعيّة، وقوّات الاتّحاد السوفييتي، ليس في أفغانستان فقط، وإنّما في مُختلف أنحاء العالم، أمّا الشيخ حمد بن جاسم، رئيس الوزراء القطري الأسبق، فأكّد أن بلاده لم تدفع دولارًا واحدًا للجماعات “الإرهابيّة” في سورية دون تنسيقٍ مع الولايات المتحدة وأجهزة مُخابراتها، وعلى رأسها “سي أي إيه”.
الرئيس ترامب وهو يُغرّد بهذا القرار الخطير نسِي أن هُناك أكثر من 5500 جندي أمريكي يتواجدون في قواعد عسكريّة في العراق، وأن الفتوى التي أصدرها السيد خامنئي قبل بضعة أيام أثناء لقائه مع السيد عادل عبد المهدي طالبت بإخراج هذه القوّات بأسرعِ وقتٍ مُمكن، وهذا يعني استهدافها بهجمات انتحاريّة على غرار ما حدث لقوّات المارينز في بيروت عام 1983، وأدّت إلى مقتل 299 جنديًّا أمريكيًّا وفرنسيًّا، ولا نعتقد أن ترامب الذي بات “ألعوبة” بين يدي صديقه نتنياهو يعرف هذه الحقائق.
في العِراق هُناك فصائل الحشد الشعبي التي تضُم أكثر من ألف مُقاتل، إلى جانب امتدادات لها في سورية ولبنان ودول عربية وإسلاميّة أخرى، ولا نعتقد أن هؤلاء سيتردّدون لحظةً في تنفيذ أيّ أوامر تصدر لهم بمُهاجمة القوات الأمريكيّة، والإشارة للقرن الافريقي في البيان الصادر عن مجلس الأمن الإيراني الأعلى لا نعتقد أنها وردت بمحض الصّدفة، إنّما في اطار خطّة مدروسة، وربّما للتّذكير بإسقاط طائرة أمريكيّة في الصّومال عام 1993 ومقتل مُعظم الذين كانوا على متنها، الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكيّة في حينها إلى الهُروب في أيّام معدودة من المِنطقة بأسرها خوفًا ورُعبًا.
الرئيس ترامب بات مهندس الحملة الانتخابيّة لنتنياهو ومُنفّذ أجنداتها، ومجنِّدًا النّاخبين الإسرائيليين في خدمتها، فبعد نقل السفارة الأمريكيّة إلى القدس المحتلة، وضم هضبة الجولان، إسقاط صفة الاحتلال عن الضفّة والقطاع، ها هو يضع الحرس الثوريّ الإيرانيّ على قائمة الإرهاب.
***
هذه “الصداقة” بين ترامب ونتنياهو ستقود العالم إلى أتون حروب قد تحصِد أرواح مِئات الآلاف من الأبرياء، إن لم يكُن أكثر، ومن العرب والمُسلمين خاصّةً، ولكن هذا لا يعني أن إسرائيل ستكون في مأمن، وقد تخرج من هذه الحُروب الخاسر الأكبر، هذا إذا بقيت فوق الأرض.
فإذا كان السيّد يحيى السنوار، قائد “حماس” في قطاع غزّة، قد هدّد بإزالة المُدن والمُستوطنات الإسرائيليّة مِثل أسدود وعسقلان وحتى وتل أبيب من الوجود، فماذا سيقول السيد حسن نصر الله الذي يملك 150 ألف صاروخ، واللواء قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، ونحن هُنا لا نتحدّث عن سورية والعِراق اللذين انضما بقُوّة إلى محور المُقاومة.
نِتنياهو يلعب بالنّار، ويُريد توريط صديقه ترامب “المضبوع” بسحره وأكاذيبه، ونجزِم بأنّ هذه النّار لن تحرِق أصابعهما فقط، وإنّما مُعظم، إن لم يكن كُل الإسرائيليين وحُلفائهم العرب الذين رحّبوا بالقرار الأمريكيّ المذكور خاصّةً، وهلّلوا له.. والأيّام بيننا.
[email protected]
أضف تعليق