كيف سخِرَ “حزب الله” مِن رسالة نِتنياهو التّهديديّة التي حمّلها لبومبيو وسَلّمها للحريري؟ وإذا كانت هُناك مصانع سريّة لإنتاج الصّواريخ الدّقيقة فلماذا لا يقصِفها على غِرار قوافِلها عبر سورية؟ إليكُم الإجابة؟
عبد الباري عطوان
تحوّل مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكيّ إلى “ساعي بريد” يحمِل رسائل بنيامين نِتنياهو، وزير الخارجيّة الإسرائيليّ، إلى زُعماء دول المِنطقة العربيّة، وآخِر الرسائل التي حمَلها كانت إلى السيد سعد الحريري، رئيس وزراء لبنان، وتُحذّر من أنّ حزب الله وإيران أقاما مصنعًا لانتاج الصّواريخ الدّقيقة مثلَما كشفت قناة تلفزيونيّة عبريّة أمس.
لا نستبعد صحّة هذا النّبأ، ولكنّنا نعتقد في الوقت نفسه أنّ بثّه يأتي في إطار التّحريض الأمريكيّ الإسرائيليّ ضِد “حزب الله”، وبذر بُذور الفِتنة في لبنان لإشعال حرب أهليّة لبنانيّة على غِرار تِلك التي تفجّرت عام 1975 واستمرّت 15 عامًا.
الوزير بومبيو عبّر عن هذا الهدف الدمويّ أثناء زيارته إلى بيروت الأُسبوع الماضي عندما طالب الرّئاسات اللبنانيّة الثّلاث بالابتِعاد عن “حزب الله” ونزع الشرعيّة عنه باعتباره حزبًا “إرهابيًّا” يُشكّل تهديدًا لأمن لبنان واستقراره، فجاءه الرّد بِما لا يسرّه، ومُؤكّدًا على أنّ الحِزب جُزء من العمليّة السياسيّة والنّسيج الاجتماعيّ اللبنانيّ، ويتمتّع بتمثيلٍ واسعٍ في البرلمان والحُكومة معًا.
***
نِتنياهو يبدو في أعين أكثر من 80 بالمِئة من الإسرائيليين كاذبًا مُحترفًا، ومثل هذه الاتّهامات بإقامة مصانع للصّواريخ تأتي في إطار التّحريض، فإذا كان يعرف أماكِن هذه المصانع فعلًا فلماذا لا يقوم بقصفها، وهو الذي أمَرَ طائراته الحربيّة بشن 200 غارة على سورية لضرب أهداف مُتعدّدة من بينها قوافل صواريخ إيرانيّة إلى الحزب في لبنان؟
إنتاج حزب الله للصّواريخ الدّقيقة أمرٌ مشروعٌ، وفي إطار الدّفاع عن النفس، والسيّد حسن نصر الله في خطابه قبل الأخير أكّد أنّه بات لديه ما يكفي ويزيد من هذه الصّواريخ، وليس بحاجةٍ إلى “استيرادها” من أيّ مكان، سواء إيران أو غيرها، مُلمِّحًا إلى تصنيعها في الأراضي اللبنانيّة.
نِتنياهو ومُنذ هزيمة جيشه في حرب تمّوز (يوليو) عام 2006، لم يُطلِق رصاصةً واحدةً على لبنان لأنّه يُدرك جيّدًا أنّ الرّد سيكون مُزلزلًا، حيث ستهطل الصّواريخ مِثل المطر باتّجاه البُنى التحتيّة الإسرائيليّة العسكريّة، بِما في ذلك المطارات، والمصانع، والقواعد، وربّما مفاعل ديمونة النوويّ نفسه، فإذا كان صاروخ انطلق من قطاع غزّة دمّر عمارتين في مُستوطنة شمال تل أبيب، وفشلت القبّة الحديديّة في اعتراضه، فكيف سيكون الحال لو فتح “حزب الله” ترسانة صواريخه وأطلق ألف صاروخ دفعةً واحدةً على كُل المُدن الإسرائيليّة من أقصى الشّمال إلى أقصى الجنوب؟
رسالة نِتنياهو التي حملها بومبيو إلى السيد الحريري إذا صحّت، تعكس حالة القلق التي تسود الدولة العبريّة حاليًّا، ومن المُؤكّد أنّها ستكون موضِع سخرية قيادة الحزب، والسيد نصر الله تحديدًا، وستُعطي مفعولًا عكسيًّا، أيّ رفع المعنويّات اللبنانيّة، والاستمرار في السّير على الطريق نفسه، أيّ الاستعداد لمُواجهة أيّ عدوان إسرائيليّ يأتي تعبيرًا عن اليأس والإحباط، ومُحاولةً للخُروج من حالة الخوف والرّعب التي يعيشها الإسرائيليّون حاليًّا.
***
الانطِباع الأوّل الذي لمسته أثناء زيارتي للبنان ولقاءاتي مع العديد من المسؤولين قبل بضعة أيّام هو حالة الالتفاف الملحوظة بين مُختلف ألوان الطّيف اللبنانيّ حول المُقاومة التي يتزعّمها حزب الله، وهذه اللّحمة غير المسبوقة بين الرئاسة اللبنانيّة وقيادة “حزب الله”، وهذا ينطبق أيضًا على الجيش اللبناني، طبعًا هُناك شُذوذ على هذه القاعدة، يتمثّل ببعض الجِهات التي تُجاهر بتحالفها مع أمريكا وترى في إسرائيل صديقًا.
الطّريقة التي تعاطى بها الرئيس اللبناني ميشال عون مع بومبيو والوفد المُرافق له أثناء استقبالهم في قصر بعبدا الرئاسي تعكس أروع صور الكرامة وعزّة النّفس، والوحدة الوطنيّة اللبنانيّة، ففي الوقت الذي كانت ترضخ فيه الزعامات العربيّة لإملاءات وزير الخارجيّة الأمريكيّ في كُل زيارته دون نِقاش، لم يجِد في بيروت غير الإهمال والاحتقار، والرّفض لرسائله وتهديداته، وهذا هو لبنان الذي هزم إسرائيل وجيشها الذي لا يُقهر مرّتين، والثالثة في الطّريق بإذن الله.
مصانع الصّواريخ التي بناها “حزب الله” في أعماق جبال جنوب لبنان الشمّاء لم تعُد تُنتج الصّواريخ الدّقيقة، وإنّما القادرة على تضليل القُبب الحديديّة الإسرائيليّة أيضًا، واسألوا كتائب القسام الذّراع العسكريّ لحركة “حماس” في قِطاع غزّة، وما خفِيَ أعظم فِعلًا.. والأيّام بيننا.
[email protected]
أضف تعليق