بقلم : سميح غنادري
الذي قاد إلى عقد التحالف الثنائي بين "الجبهة" و"العربية للتغيير" هو قيام "الإسلامية" و"التجمع" بشق القائمة المشتركة وبإعلان خوضهما للإنتخابات في قائمة إنفصالية. لكن هذا لا يقلّل أبداً من تقديرنا العالي للمسؤولية السياسية الوطنية التي تحلّت بها الجبهة والعربية للتغيير بتحالفهما. هما فعلا ذلك للحد من الآثار السلبية التي خلّفها الإنشقاق الثنائي للإسلامية وللتجمع اللذيْن أطاحا بالشراكة الرباعيّة للقائمة المشتركة.
وكانت الجبهة والعربية للتغيير الجاهزتان لأن يخوض كل منهما الإنتخابات في قائمة لوحده، إثر إعلان الإسلامية والتجمع عن تحالفهما الثنائي الإنفصالي في أواسط شهر شباط، قد أعلنتا أنهما سيستمران ببذل الجهود والوساطة لإيجاد حل توافقي حتى الساعات الأخيرة من اليوم الثاني لتقديم القوائم للجنة الإنتخابات المركزية بتاريخ 22 شباط.
لكن الإسلامية، بدعم من حليفها التجمع، أصرّت في ردها على هذه المحاولة الأخيرة للتوافق، على مطالبها الفئوية الكرسيولوجية. وأقصى ما أبدته من "تنازل"(؟!) هو "كرمها" السابق بأن يكون الطيبي المرشح الثاني بدلاً من كوْنه الرابع في القائمة المشتركة. فعلاً، كما قيل، ليس هنالك ما هو أكثر إهانة من هكذا إقتراح لا يقدم أي حل لإشكالية تقسيم عدد المقاعد بين مركبات المشتركة الأربعة.
لا أريد توجيه إتهام مباشر للإسلامية وللتجمع بأنهما توقّعا وأرادا أن تخوض كل من الجبهة والعربية للتغيير الإنتخابات كل لوحدها، دون أن يخطر على بالهما أن الجبهة والعربية للتغيير سيأتلفان ولوْ من باب خطر سقوطهما معاً أو سقوط العربية لوحدها. لكن نحن الناخبون نريد تفسيراً لما هو متوفّر بين أيادينا من تسجيل، بالصوت والصورة، لما نطق به في الرواق أحد قادة التجمع بعد تقديم الجبهة والعربية قائمتهما للجنة الإنتخابات المركزية.
لن أكشف إسمه ما دام هو لم يكشفه. لكنه أحد القادة المعروفين لحزب التجمع منذ تأسيسه. صرخ في وجه التجمعيين والإسلامويين في الرواق: "مِشْ قُلتلكوا رايحين يتفقوا مع بعض؟ و...". أي قال لهم عملياً: لقد نبّهتكم إلى أن مخططكم سيفشل وستخوض الجبهة والعربية للتغيير الإنتخابات معاً. لا أعلم إذا ما كان ذاك القائد يفضّل الإبقاء على المشتركة، أو... خيارات أخرى. لكنني أعرف أنه شجاع ومواجه وأصيل في قوْل كلمته.
وبالتأكيد هذا القائد التجمعي ليس من نوعية عباس منصور ولا يجيد التصريح بموقف وبنقيضه في اليوم نفسه كما يفعل منصور عباس. وكان هذا الرئيس للقائمة الإسلامية قد صرّح قبل عَقْد تحالفه مع التجمع وشقهما للمشتركة: لسنا شركاء في أيّة خطط بديلة للقائمة المشتركة، وشعبنا هو الرابح في إعادة وحدتها. وهنالك جهة من الغرب عبر البحار وجهات من الشرق تموّل شق المشتركة وتريد أن تفرض أجندة سياسية على عرب الـ 48. ومَنْ يفرض التشرذم يخدم أهداف نتنياهو وليبرمان. والإسلامية ستخوض الإنتخابات إما في القائمة المشتركة أو لوحدها، ولن تخوضها في أي تحالف ثنائي.
أتذكر يا دكتور عباس أنك صرّحت بهذا التصريح لتلفزيون "هلا" ولصحيفة "بانوراما" بتاريخ 15.2.2019، وفي مقابلات أخرى؟ فهل تذكر لنا الآن: لماذا شكّلتَ قائمة ثنائية مع التجمع بينما كانت الجهود مستمرة للإبقاء على المشتركة؟ وقل لنا مَنْ شرذم وموّل ومن قبض وكم، بدلاً من الإنفلات على تحالف الجبهة والعربية اللذيْن خطط البعض وسعى لأن يكونا ضحيّة لهذا التشرذم؟
الطبيعي واللاطبيعي والتطبيع المطلوب
تصرّفت "الجبهة" و"العربية للتغيير" بمسؤولية سياسية وانتصرتا للشراكة حين تحالفتا. بهذا وضعتا حداً للآثار السلبية المتدحرجة للشرذمة، وضمنتا تمثيلهما في البرلمان. ونأمل أن يضمن مَنْ قادا إلى الشرذمة تمثيلهما أيضاً، وأن لا يواصلا التأرجح – حسب إستطلاعات الرأي - بين عدم عبور نسبة الحسم أو تحصيل 4-5 أعضاء على الأكثر. لذلك نناشد مَنْ قاد إلى شق "المشتركة" الكف عن الإفتراء على الآخر. ولا يضيرنا جميعاً أن نُعلم مَنْ يلعب بالنار بأنه قد يحرق أصابيعه. وقالت العرب "إلعبوا يا أولاد واللعب على أمكم"... اللعب على قائمتكم وعلى مصلحة شعبكم. وهذا ما لا نريده لا لكم ولا لشعبنا.
ربما كان بإمكان الجبهة أن تعبر نسبة الحسم لوحدها، وربما لا. فهل تلعب بالنار؟ وإذا ما عبرتها هي لوحدها ولم تعبرها العربية للتغيير، أفلا تحترق عندها أصوات قد تكفي لضمان ثلاثة مقاعد في ظل التحالف؟ لم تجلس لا الجبهة ولا العربية للتغيير كل في حضن الآخر، وإنما انتصبتا معاً على عرش المسؤولية والوحدة الوطنية حين تحالفتا بعد شرذمة المشتركة. وعلى هذا يستحقان التقدير من قبل الناخبين.
أضف إلى ما سبق أن تحالف الجبهة والعربية للتغيير هو تحالف بين الأقرب إلى بعض موقفاً سياسياً وإجتماعياً، بما يخص القضية الفلسطينية العامة وحلها، والقضايا الوطنية والمطلبية والإجتماعية للجماهير الفلسطينية الباقية في وطنها وهمومها اليومية الحياتية. وهو تحالف ضم معاً ستة نواب في البرلمان أبدعوا جميعاً في العمل البرلماني بسلوكهم وبنشاطهم وخطابهم المسؤول والمبدئي والعملي، حسب تخصص كل واحد منهم.
هؤلاء هم: أيمن عودة وأحمد الطيبي وعايدة توما سليمان ويوسف جبارين وأسامة سعدي - (وهذا المحامي تألّق في نشاطه مع أنه لم يخدم إلا سنة ونصف في البرلمان). يُضاف لهم النائب دوف حنين الذي تنازل عن إعادة ترشيح نفسه، وجرى إستبداله بالدكتور المحاضر في العلوم السياسية عوفر كسيف.
هؤلاء نواب وهذه قائمة أبدعت بفائض نشاطها البرلماني ودمجه مع الميداني الكفاحي، وبتركيز جلّ عملها البرلماني على القضايا الحياتية المدنية المعيشية للناس من أجل المساواة. وبرز نوابها بتحصيلها للإنجازات العديدة الممكنة في ظل حكومة نتنياهو النتنة، وبخطابها المسؤول اللاخشبي واللاجعجاع المنفّر، وبحسن مخاطبة الوسط اليهودي ووسائل إعلامه العبرية بمبدئية وإقناع، لا بزعيق الأسواق. لقد اضطرت حتى كنيست سائبة اليمين للإعتراف في إحصائياتها بأن نواب الجبهة والعربية للتغيير كانوا من الأبرز والأنشط في تمرير القوانين وعمل اللجان البرلمانية واستغلال المكاسب للمواطنين العرب. ووصل صدى عملهم جميعاً إلى شتى دول ومؤسسات العالم بما فيها الأمم المتحدة.
هذا هو التحالف الطبيعي والحقيقي المنشود. لكنّ تحالف التجمع والإسلامية ينعت تحالف الجبهة والعربية للتغيير بأنه تحالف غريب عجيب وغير طبيعي. اللاطبيعي، بنظر من يسمّي نفسه "قيادة جديدة – تحالف حقيقي" هو ليس التحالف بين الأقرب إلى بعض سياسياً واجتماعياً ونهج عمل. الطبيعي والتطبيعي بنظرهم هو شق المشتركة. وهو التزاوج بين الفكر الإسلاموي الذي يرى في القومية بدعة غربية دخيلة وبجمال عبد الناصر أرذل خلق الناس أجمعين، مع مَنْ يتغنى بعبد الناصر ويعتبره أفضل العالمين!
بقي فقط أن أكشف للناخبين أن الجبهة والعربية للتغيير قدّمتا قائمتهما للجنة الإنتخابات المركزية في الساعة الحادية عشر و 38 دقيقة من يوم 22 شباط. مع أن تقديم القوائم ينتهي في الساعة العاشرة. وكانت الجبهة قد توجهت قبل الساعة العاشرة للقاضي المسؤول في لجنة الإنتخابات المركزية وطلبت منه السماح بتقديم القائمة بعد الساعة الحادية عشر، لأنه توجد أمور تقنية يجب تصليحها. وافق القاضي وهكذا كان. وهذا هو المدوّن في وصِل إقرار تقديم القائمة.
أبعد كل هذا تتهمون يا إسلامية ويا تجمع الجبهة والعربية للتغيير بأنهما هما اللذان شقّا المشتركة؟! لا نطالبكما بالإعتذار بل نوجه ندائنا لكما ولقائمة تحالف الجبهة والعربية للتغيير بتوحيد وتصعيد الجهود لرفع نسبة التصويت للناخبين العرب، لما فيه صالح الجماهير العربية والقوى الديمقراطية اليهودية.
[email protected]
أضف تعليق