تنعقد القمة العربية في تونس في وقت عصيب وأوضاع عربية أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها سيئة، فالعرب الآن منقسمون على ذواتهم، وكل يبحث عن خلاصه الشخصي وكأننا جميعا في تيه عظيم، هذا الحال لا يمكن له أن يستمر لأن استمراره سيقود إلى مزيد من التفتت والتلاشي ولن ينجو أحدا من الخراب القادم آجلا أم عاجلا وهنا تستحضرني مقولة "أكلت يوم أكل الثور الأبيض".
هذه المقولة تنطبق على الواقع العربي لأن هناك بعض الدول تتعامل مع ما يحدث مع الفلسطينيين وكأن الأمر لا يعنيهم بالمطلق، فكل الدول العربية تعلم بأن ما يحاك للقضية الفلسطينية من مؤامرات هي مقدمة لما سيكون عليه الواقع العربي من خراب ودمار لأنه وببساطة دولة الاحتلال وبدعم من الصهيونية العالمية تريد إقامة "الدولة اليهودية" من النيل إلى الفرات، وتعي تماما بأن أول خطوة هي القضاء على المشروع الوطني الفلسطيني وإقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين التاريخية، وهناك للأسف من العرب من لديه الاستعداد لقبول هذا الواقع، وأكبر دليل على ذلك هو قبول بعض الدول العربية بالقفز عن الحقوق الفلسطينية والتطبيع مع دولة الاحتلال سرا وعلانية.
القمة العربية في تونس يجب أن تقف امام مجموعة من الحقائق والمستجدات وتضع خطة لمجابهتها لأن السكوت عليها أو التساوق معها سيزيد من حالة الفرقة والتشتت والضياع في الساحة العربية مما سيسهل على الحركة الصهيونية تجسيد حلمها في إقامة "الدولة اليهودية" على أنقاض الدول العربية، فأول الحقائق التي فرضت نفسها على المشهد العربي والاقليمي والعالمي هي اعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ولم ترقى ردود الفعل العربية إلى مستوى الحدث بل اكتفى البعض بالشجب والاستنكار واصدار البيانات التي لا تقدم ولا تؤخر في تسارع وتيرة تهويد مدينة القدس ومحو تاريخها العربي الإسلامي المسيحي.
وثاني هذه الحقائق قيام الولايات المتحدة الامريكية بنقل سفارتها إلى القدس دون أي تحرك جدي من طرف الدول العربية للجم هذا الفعل والذي تلاه، وبسبب حالة الضعف العربي، اعتراف ترامب بسيادة دولة الاحتلال على أرض الجولان السوري المحتل، وكل هذا مقدمات لافعال وخطوات أكبر، أساسها تحويل الشعوب العربية إلى خدم لصالح "الدولة اليهودية" التي بدأت تتجسد فعليا على الأرض، وإن انكار هذا الأمر لا يغير من الحقيقة شيئا.
لقد بدأت دولة الاحتلال وللأسف ببناء علاقات متعددة مع بعض الدول العربية وهذا ليس سرا، والقول بأن هذه العلاقات تخدم القضية الفلسطينية أو الأمن القومي العربي فيه خطأ كبير ولا يلامس الحقيقة في شيء لا بل يغير الحقائق ويوغل في الدجل، فالمطلوب ليس علاقات مع دولة الاحتلال بل سياسات تنهي الاحتلال من على الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وتسعى إلى تجسيد الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية، وبدون إعادة النظر بمبادرة السلام العربية، ومطالبة مجلس الامن والجمعية العامة بإعادة النظر في القرار رقم (181) الذي على أساسه اعترف العالم بدولة "إسرائيل" بشرط تنفيذها لهذا القرار الذي لم ينفذ لغاية الآن، كذلك السير بشكل عملي في إعادة النظر بالعلاقات التجارية ليس فقط مع الولايات المتحدة الامريكية بل مع أية دولة تدعم سياسات أمريكا وإسرائيل العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وضد الشعوب العربية جمعاء، لن ترتدع امريكا او اسرائيل عن تنفيذ سياساتها العدوانية.
المطلوب من اجتماع القمة التأكيد من خلال قراراتها على أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة، وبأن الأراضي العربية المحتلة هي ليس أراضي متنازع عليها كما تروج لها إسرائيل والحركة الصهيونية بل هي فعلا اراضي محتلة ويجب إنهاء هذا الاحتلال، كذلك بأن الجولان السوري هي ارض سورية ولا شرعية للاحتلال عليها، وأن تتحرك جامعة الدول العربية بدعوة مجلس الأمن للتأكيد على أنه لا سيادة لدولة الاحتلال على الأراضي العربية المحتلة وأن وضعها القانوني لا يمكن أن يتغير باعتراف أمريكي أو غيره، وأن يتم تشكيل وفد برئاسة المملكة العربية السعودية لزيارة أمريكا، ووفد برئاسة المملكة المغربية لزيارة اوروبا، لمواجهة سياسات دولة الاحتلال وتحشيد الدعم لقرارا القمة العربية فيما يخص الأراضي المحتلة والقرارات اللاشرعية المتخذة بحقها.
المطلوب أيضا إعادة النظر في التحالفات الاقليمية التي تقيمها بعض الدول العربية تحت مسمى حماية الأمن القومي العربي وبنائها على أساس أن "إسرائيل" هي العدو الاول والأخير للشعوب العربية ولآمالها وطموحاتها، فالعرب مجتمعين يشكلون كتلة بشرية واقتصادية غنية جدا بمواردها وتستطيع أن تواجه ليس فقط سياسات دولة الاحتلال بل أيضا سياسات دول كبرى، وكل هذا ممكن إذا ما كان فعلا الهدف هو حماية الأمن القومي العربي من أية أطماع خارجية.
لا شك بأن الشعوب العربية تتمنى من أي اجتماع لجامعة الدول العربية بأن يخرج ليس فقط بقرارات بل أيضا بخطط عملية لتنفيذ هذه القرارات، فجامعة الدول العربية ستبقى البيت العربي الجامع الذي سنبقى نعول عليه في انقاذنا من هذا الوضع السيء.
وكلمة أخيرة لزعماء العرب المجتمعون في تونس، نحن الآن صامدون على أرض فلسطين وسنبقى ما بقي الزعتر والزيتون، وكلنا امل أن تكونوا سندا حقيقيا لنا لأننا خط الدفاع الأول عن العرب أجمعين، وأنتم تعلمون بأن الولايات المتحدة الأمريكية وضمن ما يسمى بصفقة القرن، التي حتما سنسقطها كما اسقطنا مؤامرات عالمية سابقة، منعت الدعم المالي عنا وتقايضنا به على حقوقنا المشروعة، وأن دولة الاحتلال أيضا تفعل الشيء ذاته معنا ونقول لكم بأن هذا لن يثنينا عن الاستمرار في المقاومة والصمود، وما نطلبه الآن منكم أن تنفذوا فورا ما أقرته القمم العربية السابقة فيما يخص القضية الفلسطينية ومنها العمل على إنهاء الانقسام وتحييد كل الدول التي تقف في وجه ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وأيضا تنفيذ تأمين شبكة الامان المالي التي نحن بحاجتها الآن ليس من باب الاستجداء بل من منطلق أنها حق ومن منطلق أن شبكة الامان المالي في حال أن تم تنفيذها ستشكل ردا أوليا ورسالة إلى دولة الاحتلال ومن يقف معها وورائها بأن الفلسطينيين ليسوا وحدهم، وبأن حال الفرقة والتشتت العربي في طريقه إلى الزوال وأن مرحلة جديدة قد بدأت أساسها استعادة الكرامة العربية من باب دعم قضية العرب الأولى القضية الفلسطينية فهل أنتم فاعلون هذا يا قادة الامة في اجتماعكم؟.
[email protected]
أضف تعليق