خلافاً لقرار واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والذي كان تعهداً من قبل ترامب أثناء حملته الانتخابية للرئاسة الأميركية، فإن قراره حول سيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة، لم تكن كذلك، بل هدية مجانية قدمها لرئيس الحكومة الإسرائيلية في ظل الحملة الانتخابية المستعرة وحامية الوطيس مع منافسة قوية وخشية معقولة من ان يفقد الليكود ونتنياهو، الاستمرار في قيادة الدولة العبرية، قرار على شكل عملية إنقاذ كما قالت وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية.
لكنها بتقديرنا، ليست مجرد هدية خالصة لحساب نتنياهو، فهي أيضاً، تمثل الطريقة التي يحاول فيها الرئيس الأميركي إدارة الاشتباك مع الكونغرس، خاصة بعدما فقد الحزب الجمهوري أغلبيته في مجلس النواب لصالح الحزب الديمقراطي قبل شهرين، وعدم قدرة ترامب على السيطرة على أعضاء حزبه في مجلس الشيوخ الذي لديه الأغلبية فيه، إذ إن ملفات الاشتباك، بين الكونغرس، والبيت الأبيض، حول مجموعة من القضايا الداخلية والخارجية تعكس حالة «شاذّة» في العلاقة بين الرئيس الأميركي والكونغرس، التي اتسمت في معظم الأحيان، بقدرة الرئيس على السيطرة على حزبه، في الحالة التي نشهدها الآن، فإن ترامب فقد السيطرة التامة على مجلس النواب، في وقت يحاول أن يعالج «التمرد» في حزبه الجمهوري الذي يسيطر على الأغلبية في مجلس الشيوخ.
إن الإدارة الوحيدة القادرة على منح ترامب، فرصة أفضل للإخلال بميزان القوى، بين الكونغرس وبينه لصالحه، هي اللوبي الصهيوني اليهودي «ايباك»، وبينما كان من المفترض أن يعلن ترامب في خطابه حول حال الاتحاد قبل شهرين عن قرار سيادة إسرائيل على هضبة الجولان، إلاّ أنه تجاهل ذلك، انتظاراً للوقت المناسب، وهو الذي يتوازى مع انعقاد مؤتمر «الايباك» الذي يقاطعه عدد هام من الحزب الديمقراطي، لذلك، فإن تأجيل الإعلان عن هذا القرار إلى حين مؤتمر «الايباك»، وقبل أيام قليلة من الانتخابات الإسرائيلية، يعتبر «ضربة معلم» من قبل ترامب، لاستمالة وشحذ همم رجالات «الايباك»، للضغط على كبار النواب والشيوخ للتخفيف من حدة التمرد على البيت الأبيض مقابل هذه الهدية المجانية، ليس لنتنياهو فقط، ولكن لإسرائيل كدولة أيضاً.
في حين انها تأتي لحساب ترامب الذي يبدو وكأنه متبرع سخي، في الوقت الذي يأخذ بالاعتبار مصالحه في ظل استمرار التصعيد والتمرد من قبل الكونغرس إزاء سياساته الداخلية والخارجية، إضافة إلى التهديد من قبل أعضاء هامين في الكونغرس باحتمالات متزايدة لتهديد فرص ترامب في ولاية رئاسية ثانية عام 2020، وارتباط عدد كبير من النواب والشيوخ بمصالح فئوية ونافذة مع اللوبي الصهيوني، يجعل من «الايباك» إحدى أهم الأدوات التي يمكن لها أن تخل بميزان القوى لصالح ترامب.
ولا شك أن هناك عناصر أخرى كانت وراء هذا التزامن بين القرار والانتخابات الإسرائيلية، لكن دون تجاهل ان هذا التزامن في الأصل كان لصالح التوقيت مع عقد اللوبي الصهيوني مؤتمره السنوي هذا الأسبوع، وعندما يلتقي ترامب مع نتنياهو يوم غد الاثنين، سيستلم كل منهما هذه الهدية، وبينما يشعر نتنياهو بالامتنان، فإن ترامب من ناحيته سيكون راضياً عن «ضربة معلم في الوقت المناسب!
[email protected]
أضف تعليق