ترامب يحسِم أمره ويضع أردوغان أمام خِيارين صَعبين.. إمّا صواريخ “إس 400” أو طائرات “إف 35” الحربيّة الأمريكيّة… فأيُّهما يختار؟ وهل دخل شهر العسل التركيّ الأمريكيّ أيّامه الأخيرة؟ وما هِي “الخُطّة B” المُتاحة لأنقرة ورئيسها؟
عبد الباري عطوان
بدأت الولايات المتحدة الأمريكيّة اتّخاذ خُطوات “جديّة” بوقف بيع طائِراتها “إف 35” التي تُعتبر الأحدث في ترسانتها الجويّة إلى تركيا، وأبلغت الرئيس رجب طيّب أردوغان شخصيًّا بأنّ هذا النّوع من الطّائرات الحربيّة لن يُسلّم لبلاده إلا إذا تخلّى عن صفقة صواريخ “إس 400” الروسيّة المُتقدّمة واستبدلها بصواريخ “باتريوت”.
هذا القرار الأمريكيّ الاستفزازيّ يضع الرئيس التركيّ في مأزقٍ حرِجٍ، خاصّةً أنّه يأتي في وقتٍ يتعرّض لضُغوط مُضادّة من حليفه فلاديمير بوتين لتنفيذ تَعهّداته بالقضاء على قوّات هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) التي باتت تُسيطر على إدلب، وانهيار رهاناته على إقامة منطقة آمنة تحت قيادته في شمال شرق سورية.
الذّريعة التي تتذرّع بها الإدارة الأمريكيّة لوقف تسليم هذه الطائرات، مثلما جاء على لسان بعض المسؤولين، أنّه لا يُمكِن أن يتواجد خُبراء روس في قاعدة جويّة تركيّة تضُم مُقاتلات أمريكيّة مُتقدّمة مِثل “إف 35”.
الرئيس أردوغان أكّد أكثر من مرّة أنّه سيمضي قُدُمًا في شِراء منظومة الصّواريخ “إس 400″، وربّما “إس 500” أيضًا، ولا يسمح لأحد بأن يطلب منه “لعق ما بصقه”، فهل سيكون هذا هو ردّه النهائيّ الذي لا تراجُع عنه؟
***
تركيا تُساهم بإنتاج مُحرّكات لهذا النّوع من الطائرات، علاوةً على أجهزة الهُبوط للطّيارين، وشاشات مقصورة الطيّار، وفي حال تمسّك الإدارة الأمريكيّة بتهديداتها بإلغاء الصّفقة برمّتها فإنّ هذا الشّق منها سيُلغَى أيضًا.
الأخطر من كُل هذا وذاك، أنّه في حال قرّرت الإدارة الأمريكيّة إلغاء هذه الصّفقة، فهذا لا يعني تأزّم العلاقات مع الحليف التركيّ التاريخيّ فحسب، وإنّما أيضًا انسحابه أو تجميد عضويّته في حِلف الناتو، وفرض عُقوبات اقتصاديّة أمريكيّة عليه.
لا نعرِف كيف سيكون رد فعل الرئيس أردوغان على هذا “الابتزاز” الأمريكيّ، لأنّ ميدان المُناورة بات محدودًا جدًّا أمامه والوقت يضيق، وليس هُناك مناص غير الاختيار بين أمريكا وروسيا، وتحمّل التّبعات كاملة.
الرئيس ترامب هدّد الرئيس أردوغان بوقاحة غير مسبوقة قبل بضعة أشهر بأنّه سيُدمّر الاقتصاد التركيّ إذا لم يُفرِج عن القس الأمريكيّ المُعتقل أندرو روبنسون بتُهمة التّعاون مع الإرهاب، وأعطت هذه التهديدات أوكلها عبر إيجاد صيغة ردّدتها وسائل الإعلام التركيّة حول التوصّل إلى صفقة بالافراج عن هذا القس مقابل تسليم الداعية التركي فتح الله غولن، المُتّهم بالوقوف خلف الانقلاب العسكريّ الأخير في تركيا، ولكن تبيّن أنّ الإفراج كان في اتّجاه واحد فقط، وبقي الداعية فتح الله غولن في منفاه الاختياري في أمريكا مُتَمتّعًا بالحماية الأمريكيّة.
الرئيس أردوغان يجب أن لا يتراجع عن صفقة الصواريخ الروسيّة هذه، وأن يرد على وقف تسليم طائرات “إف 35” بشراء مُنافستها الروسيّة من نوع “سوخوي 57″ التي يُجمِع الخُبراء على أنّها أكثر تقدّمًا، وإجراء مُراجعات استراتيجيّة جذريّة أبرزها تعزيز تحالفاته مع روسيا وحُلفائها في المِنطقة، وخاصّةً إيران والعِراق و”ترميم” علاقاته مع الجار السوريّ، وإحياء اتفاقيّة أضنة الأمنيّة المُوقّعة عام 1998 التي تُلزِم البلدين بمُحاربة الارهاب الذي يُهدّدهما.
أمريكا لا تُريد حُلفاء، وإنّما أتباعًا أذلّاء مهما كَبُر حجمهم أو صغُر، ودون أيّ اعتبار لقيم السيادة والكرامة الوطنيّة، وهذه القاعدة تنطبق على الجميع، وعلى رأسِهم تركيا.
***
العلاقة الأمريكية التركيّة تسير من سيء إلى أسوأ، وفشِلت جميع عمليّات التّرقيع في الحيلولة دون انهيارها ووصولها إلى الوضع المُزري الرّاهن.
نقول للرئيس أردوغان أدر وجهك إلى الشمال والشرق، الشمال الروسي، والشرق العربي والإسلامي، اللذين يُشكّلان الحاضنة الحقيقيّة الدّافئة والدّاعمة له ولبلاده، وسيكون الفائز الأكبر في نهاية المطاف، رغم تسليمنا بوجود تبِعات وعقبات، ولكنّها مُتوقّعة مُؤقّتة، فلا انتقال استراتيجيّ حاسِم بدون آلام، وما حدث في روسيا بعد انهيار الات؟حاد السوفييتي من فوضى ومُعاناة وانهيار اقتصاديّ إلا دليلنا في هذا الصّدد.. فأين كانت روسيا قبل عشرين عامًا، وأين أصبحت اليوم؟
عندما تكون هناك إرادة ستكون هُناك طُرق لمُواجهة كُل الصّعوبات مهما بلغ حجمها.. فهل يُؤمن الرئيس أردوغان بهذه الحِكمة؟ نأمَل ذلك.
[email protected]
أضف تعليق