صورةٌ “قلميّة” لعمليّة سلفيت الفدائيّة التي أرعبت الإسرائيليين ودفعت خُبراءهم إلى الاعتراف بشجاعة مُنفّذها وجُرأته.. لماذا يعتبرونها فألًا سيّئًا؟ وما هي الأخطار التي يُمثّلها مُنفّذها الشّاب الشّجاع عمر أبو ليلى؟ ولماذا نعتقد أنّ مُهمّته الاستشهاديّة لم تنتهِ وأنّ القادِم أعظم؟
عبد الباري عطوان
الاسم: عمر أبو ليلى (19 عامًا)، طويل وسيم من مواليد بلدة الزاوية التّابعة لمدينة سلفيت قرب نابلس.
أسباب دخوله التّاريخ: تنفيذه عمليّة فدائيّة عكست منسوبًا للجُرأة والشّجاعة غير مسبوق، أرهبت الإسرائيليين، وهزّت صورة جيشهم الذي لا يُقهَر، وأجهزتهم الأمنيّة التي يتباهون بدقّتها عالميًّا، وتتلخّص هذه الرسالة في ذهابه إلى مفترق مستوطنة آرئيل المُزدحمة بالجُنود والمُستوطنين المسلحين، وإقدامه دون أيّ تردّد، على طعن جندي إسرائيلي بسكين “مطبخ”، وانتزاع بندقيّته الرشّاشة منه، والاستيلاء على سيارة هجرها صاحبها المُستوطن رُعبًا وفرّ هاربًا (أيّ المُستوطن) مثل العشرات من أقرانه، وإطلاق النّار من نافذتها وقتل جندي آخر، وإصابة العديد من المُستوطنين اثنين منهم في غرفة العناية المُركّزة بسبب خُطورة وضعهم.
هذا الشاب، وفي مِثل هذا السّن، لا يُضيّع وقته في ألعاب الكمبيوتر، ولا مُتابعة آخِر الموضات والأغاني العربيّة والغربيّة، وإنّما في التّخطيط والثّأر والانتِقام والشّهادة، وهُناك مِئات الآلاف من الشّباب الفِلسطينيين والعرب والمُسلمين مثله، أخفاهم زبد الحكام وإعلامهم.
سلطة الاحتلال الإسرائيليّ أرسلت مِئات الجنود، وأطلقت العديد من الطّائرات المُسيّرة (بدون طيّار)، واقتحمت عشرات المنازل، واعتَقلت أكثر من 20 شخصًا بحثًا عن أيّ معلومات عن الشاب الذي دخل قائمة الأبطال في نظر مِئات الملايين من الفِلسطينيين والعرب والمُسلمين، ولكن دون أيّ نجاح حتّى كتابة هذه السّطور، وربّما لعِدّة أشهر قادمة، إن لم يكُن أكثر.
***
الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنيّة تعيش حالةً من الصّدمة، ويجرون تحقيقات مُكثّفة لمعرفة كيفيّة وصول هذا الشّاب إلى هدفه وتنفيذ عمليّته بكُل ثقة وشجاعة، وهُروب الجُنود والمُستوطنين مِثل الأرانب المذعورة من المكان، ونجاحه في مُغادرة مسرح العمليّة سالمًا.
الخُبراء الإسرائيليّون العسكريّون الذين ظهروا على شاشات التّلفزة اعترفوا صراحةً لهذا الفدائي الشّاب بأنّه نفّذ عمليّة هُجوم نوعيّة، وأظهر رباطة جأش ودقّة في التّنفيذ، ودرجةً عاليةً من الرّجولة والجُرأة، وكُل هذا يُشكّل فألًا سيّئًا للإسرائيليين حسب رأيهم، لأنّه سيتحوّل إلى قدوة، وسيُصبِح مثلًا ونموذجًا وأيقونةً للشّباب من أمثاله.
السّؤال الذي يطرحه هؤلاء الخُبراء وربّما “أصدقاؤهم” في قوّات الأمن الفِلسطينيّة هو عمّا إذا كان هذا الفدائي الشاب مُنفردًا، أم أنّه عُضو في منظّمة فدائيّة، والأهم من ذلك ما هي عقيدته الأيديولوجيّة إذا كان مُؤدلجًا؟
عندما تُغلق السلطات الإسرائيليّة باب الرحمة في المسجد الأقصى، وتُؤيّد المحكمة الإسرائيليّة العُليا هذا الإغلاق، وعندما تخصم الحُكومة الإسرائيليّة حواليّ نصف مليار دولار من أموال الضرائب العائدة للفِلسطينيين في مُحاولةٍ لتجويعهم، وعندما تمنع وصول 15 مليون دولار كدفعة لتسديد ربع رواتب موظفي سلطة “حماس” في قِطاع غزّة، وعندما يأكُل أبناء القطاع الخبز الحاف، هذا إن وجدوه، وتتواطأ مع الاحتلال كل الحُكومات العربيّة، فلماذا لا يكون هُناك الآلاف مِن أمثال الشّاب عمر أبو ليلى؟ فليس بعد الشّهادة شهادة.
عمليّة سلفيت الفدائيّة هذه هي قمّة جبل الثلج لحالة الاحتقان والغليان في الأراضي المُحتلّة في الضفّة والقِطاع وهضبة الجولان وجنوب لبنان، وجرس إنذار أوّلي للانفجار القادم والوشيك الذي سيُغيّر جميع المُعادلات في المِنطقة، ويتصدّى لعمليّات الإذلال والمهانة، ويُؤكّد أن عمليّات التّهميش للقضيّة الفِلسطينيّة أوشكت على الانهيار، وأن الشعب العربيّ الفِلسطينيّ لن يرفع رايات الاستِسلام البيضاء، مثلما توهّم أصدقاء نِتنياهو وزملاؤه في حلف النّاتو العربيّ.
القضيّة الفلسطينيّة المركزيّة العربيّة والإسلاميّة، بدأت تستعيد وهجها مُجدّدًا وبقُوّةٍ، ورجالها بدأوا يردّون عمليًّا على المُطبّعين العرب الذين اعتقدوا أنّها ماتت، بل شبِعَت موتًا، وفتحوا قُلوبهم وبلادهم للإسرائيليين لاعبين كانوا أو مسؤولين.
***
قبل عملية سلفيت بأيّامٍ معدودةٍ، نزل أكثر من مليون إسرائيليّ إلى الملاجئ، بعد انطلاق صفّارات الإنذار إثر رصد اقتراب صاروخين انطلقا من قطاع غزّة ووصلا إلى تل أبيب، ولولا هرولة نِتنياهو إلى حُلفائه في القاهرة، استعجالًا للتهدئة لتضاعف العدد عشرات، وربّما مئات المرّات، حيث فشلت القُبب الحديديّة في حماية أهلها، وباتت من الماضي.
فصائل المُقاومة في القطاع استأنفت إطلاق البالونات الحارقة والمُتفجّرة، كمُقدّمة وتمهيد لعودة إطلاق الصّواريخ، بعد أن طفح كيل مِليونين من سُكّانه (القِطاع) من شدّة الحِصار العربيّ والإسرائيليّ، وجميع المُفاجآت واردة، فلم يبقَ لهذا الشّعب ما يخسره.
قبل أن نختم هذه المقالة، نُؤكِّد على أمرٍ مُهِمٍّ جدًّا، وهو أن الشاب عمر أبو ليلى الشّهيد الحيّ، ما زال يحتفظ بالبُندقيّة التي أسرها من الجندي القتيل، وما زال أيضًا حُرًّا طليقًا، واختار الشّهادة، ولذلك سيُواصل مُقاومته للاحتلال حتى آخِر رصاصة في جُعبة بُندقيّته، وحتّى آخِر نقطة من دمه.
فِلسطين تنتفِض، والتسونامي الفِلسطينيّ الكاسِح الذي سيجرِف كُل العفن الحاليّ قادمٌ لا مَحالة.. والأيّام بيننا.
[email protected]
أضف تعليق