مُعظم الجماهير اليهودية في إسرائيل لا تولي اهتماماً بالميول السياسية للمواطنين العرب: فهؤلاء المواطنون البالغ عددهم (1.8) مليون نسمة، هم بالنسبة لمعظم اليهود بمثابة كتلة واحدة متجانسة ومخيفة. وهنا يكمن السبب في قلة التغطية الصحفية للخلافات بين الأحزاب التي كانت تتشكل منها "القائمة المشتركة".
هذه الخلافات التي آلت إلى انقسام القائمة الى نصفين -بدأت بالطلب الذي بَدَرَ عن دكتور أحمد الطيبي -وهو الزعيم السياسي الأبرز من بين قادة الجماهير العربية في إسرائيل -بتحسين موقع ومكانة حزبه في إطار القائمة المشتركة، بينما ادعى خصومه ان هذا الحزب-الحركة العربية للتغيير-لا يستند إلى أية قاعدة فكرية إيديولوجية، وأن نجاح هذه "الحركة" نابع من شخصية زعيمها الساحرة، فبدونه لا كيان لها، مثلما أن لا كيان لحزب "يش عتيد" (يوجد مستقبل) بدون زعيمه يئير لبيد. وخلافاً لهاتين الحالتين -فأن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة قادرة على الصمود والبقاء حتى لو فقدت رئيسها.
"الحلّ الممكن" عوضاً عن "الحل العادل"
حقاً، انه لمن الصعب توصيف صيغة وكينونة الحركة العربية للتغيير، ولو أنه من الواضح انها تمثل مزاجاً وتياراً يجيد الطيبي التعبير عنه. انه شخصية وسيطة خالية من أية صبغة طبقية، وهو متوقد الذهن وذو حاسة ممتازة للدعابة والفكاهة، ومداهن ذكي، وضالع بالثقافة العبرية ويتقن لغتها. ورغم أنّ لسانه لا يرحم الصهيونية-إلا أن شخصيته أصبحت محبّبة لدى الكثير من اليهود. ولعلّ تصريحاته الواضحة المناهضة لإنكار المحرقة النازية ("الهولوكوست")، وانتقاداته الحادة لنزعة الشهداء للموت، وإقراره بأنه "لا يوجد حل ممكن" – إنما تؤكد انه حليف لليهود والعرب الراغبين باستبدال المواجهة الأبدية بالتسوية النزيهة المنصفة.
ان الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ("حداش")، وفي صلبها الحزب الشيوعي الإسرائيلي – لهي ذات جذور أيديولوجية عميقة، وذات تموْضُع راسخ في أوساط الجماهير، وبنية منظّمة. وعلى مدى عشرات السنين مّثلَت الجبهة الأقلية العربية وقادت نضالاتها.
زحالقة: "لسنا جزءاً من اليسار الإسرائيلي، بل جزء من الحركة الوطنية الفلسطينية "
ومن وجهة نظر المواطن اليهودي الذي يعتبر المواطنين العرب شركاء يستدعون التحدي، وليسوا أعداء ألدّاء-فأن الجبهة تتفوّق على خصومها-إذ انه بموجب فكرها وعقيدتها وتبعاً لتقاليدها، فهي ليست حزباً عربياً ذا نزعة قومية وليست حزباً اسلامياً، بل هي حزب إسرائيلي يمثل الطبقة العاملة. وانطلاقاً من عقيدتها الفكرية، فأنها تحرص دوماً على وجود يهود ضمن قادتها، وتنظم أنشطة وفعاليات في أوساط المواطنين اليهود أيضاً. ويحافظ قائدها، أيمن عودة، على هذه التقاليد، وفي بدايات ولايته (كنائب في الكنيست) أبدى حرصاً على التوجه الى الجماهير اليهودية بشكل بشوش، باذلاً جهداً متشعباً للحفاظ على سلامة وكمال "المشتركة". ولقد فشل في مهمته وانفصل عن التجمع الوطني الديمقراطي الذي لا تتيح مواقفه أية تسوية أو حلول وسطية مع اليسار الصهيوني.
زعيم التجمع الوطني الديمقراطي، الدكتور جمال زحالقة، قالها بشكل صريح، ان حزبه "ليس جزءاً من اليسار الإسرائيلي، بل هو جزء من الحركة الوطنية الفلسطينية". صراحته هذه، وهي عمل بحد ذاته يستدعي الاحترام، تعزز الادعاء القائل بأن جرائم زعماء الحزب-عزمي بشارة المؤسس المقيم في المنفى، وباسل غطاس المعتقل، وسعيد نفاع-الأسير المحرر – ليست أخطاء، بل هي بمثابة مميزات وخصائص.
الطيبي ثانياً بعد أيمن عودة
الحزب الرابع-القائمة العربية الموحدة " داعم " – التي تمثل الجناح الجنوني للحركة الإسلامية، هو حزب محافظ، ديني، معتدل، يمثل أقلية متدينة، كفيلة بالتمسك بمواقفها حتى في دولة مسيحية أو شيعية. التزاوج بين الحزبين شبيه بالتزاوج بين حزب "أغودات يسرائيل " (الديني المتشدد) وحزب "ميرتس" (العلماني اللبرالي)، ولقد تسنى هذا التزاوج بدافع الخوف والقلق فحسْب، من ألاّ يتجاوزا نسبة الحسم.
وحسبما أفادت التقديرات منذ البداية، قرر الطيبي الجنوح الى التسوية والحلول الوسط، الأمر الذي جلب له انجازاً طيباً. الطيبي يحتل المرتبة الثانية في القائمة التي يرأسها أيمن عودة، بينما يحتل ممثلون عن الحزبين المراتب تباعاً. عودة والطيبي يديران القائمة بالشراكة. هكذا تُملى السياسة عن طريق الواقع: هذا المزيج هو دليل على أن العديد من المواطنين العرب يتبنّون تدريجياً هوية هجينة، تجمع بين الانتماء العربي والانتماء الإسرائيلي. هذه الظاهرة تثير ردّ فعل يعبرَّ عنه التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الإسلامية، لكن يبدو ان المنتصر في نهاية الأمر هي المرونة التي تجد تعبيراً ان المنتصر في نهاية الأمر هي المرونة التي تجد تعبيراً عنها لدى الحركة العربية للتغيير والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.
(ترجمة : غسان بصول)
[email protected]
أضف تعليق