بمراجعة البرامج الانتخابية خلال الدورات الأربع الأخيرة للكنيست الإسرائيلية، أمكن ملاحظة غياب العملية السياسية مع الجانب الفلسطيني عن هذه البرامج التي اهتمت بدرجة رئيسية بقضايا تتعلق بهوية الدولة العبرية والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، خاصة حول كيفية التعامل مع الملف الإيراني و»حزب الله» وسورية وقطاع غزة، وكان يمكن أن يُقال إن هذا الأمر يتكرر هذه المرة فيما يتعلق بالحملة الانتخابية للكنيست الحادية والعشرين، لولا أن التبدلات التي حدثت في خريطة القوائم التي تقدمت إلى هذه الانتخابات، تتيح المجال للتردد لدى الحديث عن أن العملية السياسية غير مدرجة على قائمة أولويات هذه الانتخابات، ذلك أن الانزياحات بالغة الأهمية التي انطوت عليها هذه القوائم تشير إلى أن العملية السياسية، وبشكل ضمني مضمر، تأخذ دورها وسياقها في هذه الانتخابات، التي اعتقد أنها لم تتناول حتى المسائل الداخلية بالعمق، إذ أننا لسنا أمام برامج انتخابية، بقدر ما نلاحظ أن هذه الانتخابات هي انتخابات شخصية أكثر منها برامجية.
إن اقتحام قائمة «أزرق ـ أبيض» للعملية الانتخابية للكنيست القادمة، يمكن له أن يسجل باعتباره العامل الأهم والحاسم فيما يتعلق بنتائج هذه الانتخابات، هذه القائمة لا تهدف فقط وحصرياً إلى هزيمة شخص نتنياهو، مع أن هذا هو أحد الأهداف الأساسية وراء تحالف غانتس ـ لابيد، وانضمام الجنرالين: موشيه يعالون وغابي أشكنازي، ونائبين سابقين لرئيس جهاز الأمن العام والموساد، ذلك أننا نرى أن العملية السياسية ستكون في صلب اهتمامات حكومة الجنرالات في حال فوزها، كما أنها ستصبح على أجندة العمل السياسي لهذه الكتلة حتى لو ظلت في المعارضة، إذ إن عدم فوزها بتشكيل الحكومة، يعني أنها ستشكل معارضة قوية انتقدتها السياسة الإسرائيلية خلال السنوات الماضية.
بنيامين غانتس، الذي يقود هذا التحالف، وخلال مسيرته «السياسية» وهي محدودة على أية حال، سبق وأن دعا في أكثر من مناسبة للانفصال عن الفلسطينيين في الضفة الغربية من خلال التوصل إلى سلام معهم، يكرس إسرائيل كدولة يهودية، كانت هذه الدعوة قبل أشهر قليلة من الإعلان عن قرار الانتخابات المبكرة، تمسك بهذه الدعوة مع إضافة بالغة الأهمية، عندما دعم الخطة التي أعلنها معهد دراسات الأمن القومي في تشرين الأول الماضي، حيث تم تعديل الدعوة بالإشارة إلى «الانفصال حتى من جانب واحد إذا لزم الأمر».
ولدى نبش الذاكرة السياسية لبيني غانتس، وتحديداً لدى تعيين جون كيري وزيراً للخارجية الأميركية في ولاية الرئيس أوباما الثانية، صيف العام 2013، ونشر توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» حول خطة أميركية تشمل انسحاباً لحدود 1967، مقابل تقديم ضمانات أميركية لإسرائيل في منطقة غور الأردن مع الحفاظ على التجمعات الاستيطانية الكبرى، وإعطاء الفلسطينيين أراضي بديلة مقابل التخلي عن حق العودة والحصول على عاصمة لهم شرقي القدس. يقول أمير ليفي، الكاتب في موقع ميدا للدراسات الإسرائيلية، إن صحيفة «هآرتس» تحدثت عن توتر شديد لدى المستوى السياسي الإسرائيلي عندما تبين أن غانتس كان متعاوناً في صياغة هذه الخطة التي شكلت خرقاً واضحاً للاستراتيجية السياسية للمستوى السياسي الإسرائيلي، ويُقال إن هذه الخطة التي لم تعلن رسمياً، كانت أحد أهم الأسباب اللاحقة للفتور بين الإدارتين الإسرائيلية والأميركية، كما شكلت حرجاً في العلاقة بين رئيس الأركان غانتس ووزير الحرب يعالون في تلك الفترة، بينما نرى أنهما الآن في قائمة واحدة، ومن المرجح أن كليهما مع عدد من الجنرالات، يستهدفون دعم خطة معهد دراسات الأمن القومي التي نشرت قبل بضعة أشهر.
إن تشكيل تحالف أزرق ـ أبيض، من كبار رجال الجيش والأمن السابقين، من المحتمل أن يعيد إلى الواجهة العملية السياسية على ضوء تبني خطة معهد دراسات الأمن القومي للانفصال عن الفلسطينيين كشكل لا بد منه للحيلولة دون خطر «الدولة الواحدة» واقتناص فرصة ما يُقال عن «صفقة القرن» الأميركية وحاجة ترامب وفريقه لتمريرها، ذلك أن أدوات تمرير مثل هذه الخطوة التي تشير في أحد عناوينها إلى «تنازلات صعبة» من قبل إسرائيل، لذلك من المحتمل على نطاق واسع أن تحمل قائمة أزرق ـ أبيض هذه «الصفقة» وتتحمل مسؤولية تمريرها إسرائيلياً!
[email protected]
أضف تعليق