منذ بداية العام الجاري، أمكن ملاحظة تعارض تقديرات المستويات الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال حول مدى قدرة الجيش الإسرائيلي على إدارة حرب وشن عدوان على مختلف الجبهات، وكان من الملاحظ، أن التقديرات والدراسات والتقييمات الإسرائيلية، حول هذا الملف، ما يشير إلى حالة من الإرباك وانعدام اليقين، ما يمكن اعتباره أحد أهم الأسباب التي من شأنها أن تجعل المستوى السياسي في إسرائيل، أكثر تردداً في اتخاذ قرار الحرب والعدوان.
وإثر اتخاذ نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، قرار إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، تزايدت الإشارات إلى إمكانية قيام الدولة العبرية بشن حرب، خاصة على قطاع غزة، في سياق الحملة الانتخابية لنتنياهو، لكن ما يمنع مثل هذا القرار، حسب بعض المصادر الإعلامية والسياسية في إسرائيل، ان التصعيد العسكري والأمني المرافق للانتخابات البرلمانية السابقة، أدى إلى خسارة بعض رؤساء الحكومات في التجديد لهم، كما حدث لاسحق شامير عام 1992 وخسارة شمعون بيريس عام 1996، إلاّ أن المشكلة حول قرار الحرب، حسب توقعات وتقييمات كل من الاستخبارات العسكرية لعام 2019، وقيادة المنطقة الجنوبية لجيش الاحتلال، فإن حماس من الممكن أن تبادر إلى تصعيد يؤدي إلى حرب واسعة، ورغم أن هناك تبايناً في تقييم الموقف بين الجبهتين، الاستخبارات والمنطقة الجنوبية، فإن اندلاع حرب في قطاع غزة، ما زال أمراً محتملاً ويجب التعاطي معه بجدية.
حسب تقديرات الاستخبارات العسكرية، فإن حماس حاولت الحفاظ على التوتر الأمني وعدم اجتياز الحدود، ذلك أن جولات التصعيد الأخيرة انتهت إلى تسهيلات مدنية ومالية للحركة، إلاّ ان شعبة الاستخبارات عادت لتشير إلى أن الوساطة المصرية والقطرية حول الهدنة والتهدئة، لم تنجح في تقديم المزيد من التسهيلات و"التنازلات" الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بكسر الحصار، ما قد يدفع حركة حماس إلى الإقدام على خطوة متطرفة بهدف تغيير هذا الوضع والحصول على مثل هذه التسهيلات، خاصة بتوفير ممر مائي، وآخر جوي للتخفيف من الضائقة الاقتصادية في القطاع، وكذلك إعادة الممر الأمني بين قطاع غزة والضفة الغربية، وهي المطالب التي تحدّث عنها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية يوم أمس.
وفقاً لهذه التقديرات، زار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد كوخافي، ولأول مرة قيادة المنطقة الجنوبية، صادق على اثرها على جملة من السيناريوهات في حال قرار الحرب، مستحدثاً ما يسمى "إدارة أهداف" برئاسة العقيد رونين غايغر، وإدارة بطاريتين إضافيتين للقبة الحديدية بجنود نظاميين، من البطاريات العشر على الحدود مع قطاع غزة.
ما تسرب من اجتماع كوخافي مع قيادة المنطقة الجنوبية، فإن قياداتها أشارت إلى تقديرات مختلفة عن تلك التي قدرتها الاستخبارات، فهي ترى أن حماس لا تزال تخشى من عملية عسكرية واسعة، لذلك فإنها ستحرص على الحفاظ على توتر مدروس بهدف الحصول على منافع ومكاسب وتسهيلات، إلاّ ان الخطوات والسيناريوهات، والأوامر الصادرة عن كوخافي لقيادة المنطقة الجنوبية، تشير إلى أنه قد أخذ برأي الاستخبارات وليس قيادة المنطقة الجنوبية.
وإذا ما تجاوزنا إمكانية قرار الحرب من قبل نتنياهو لأهداف انتخابية، فإن الحروب الثلاث التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، ربما حققت ردعاً هشاً وهدوءاً مؤقتاً، مع دمار كامل لقطاع غزة، في وقت قامت به حركة حماس بتطوير أسلحتها وأنفاقها، وان أفضل ما يمكن أن تقوم به إسرائيل، نتيجة لاستخلاص العبر من الحروب السابقة على القطاع، هو إقدامها على حرب برية شاملة على القطاع، لكن من يجرؤ على اتخاذ مثل هذا القرار، في الوقت الذي تشير فيه تقديرات أمنية مسؤولة، أن الجيش غير مستعد لمثل هذه الحرب. يقول المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرائيل، إن "ذراع البر" محاصر بمخططات قديمة، لا أحد يطلب تطبيقها، وان أية عملية برية في قطاع غزة، ستكلف المليارات وستؤدي إلى التورط في القطاع وإحباط الجمهور الإسرائيلي، إضافة إلى الخسائر البشرية الكبيرة، وربما يشير هرائيل بهذا الصدد، إلى وثيقة سرية تقدم بها نائب رئيس الأركان السابق اللواء يائير غولان، إلى المستوى السياسي الإسرائيلي مؤخراً أقر فيها بعدم ثقة القيادة العليا بالجيش البري، وأن الرشقات الصاروخية المنطلقة من قطاع غزة ستؤثر بشكل مباشر وخطير على الجبهة الداخلية، وان إمكانية عدم التوسع الزمني لهذه الحرب لن يظل تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي.
[email protected]
أضف تعليق