ماذا يعني تَحوُّل إيران إلى دولةِ مُواجهة للاحتِلال الإسرائيليّ؟ وما هِي “الإنجازات” الخمسة التي نستخلصها من بين ثنايا العُدوان الأخير على سورية؟ وهل نَتوقَّع قَصفًا أكثَر كثافةً للحرس الثوريّ للجولان مِن سورية والعِراق وإيران نفسها.. وكيف؟
عبد الباري عطوان
هُناك خمسة “إنجازات” على دَرجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة يُمكِن رصدها من خِلال المُتابعة الدقيقة والمُتعمّقة للهجمات الصاروخيّة العُدوانيّة الإسرائيليّة التي استهدفت العُمق السوريّ في الأيّام القليلةِ الماضية نُلخّصها افي النُّقاط التالية:
أوّلًا: إيران تتحوّل بشكلٍ مُتسارعٍ إلى دولة مواجهة مع الاحتلال الإسرائيليّ، وباتت قوّة عسكريّة يَحسِب القادة الإسرائيليين، سياسيين كانوا أو عسكريين، ألف حِساب لها، وللمَرّة الأُولى منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي منذ مئة عام تقريبًا، وهذا تحوّل مهم، لأنّها قوّة عسكريّة جبّارة وتملك شبكة من الأذرع العسكريّة غير الرسميّة القادرة على شَنِّ حرب عصابات.
ثانيًا: الموقف الروسي في عام 2019 قد يكون غيره في عام 2018، في ظَل الانتِقادات العديدة التي تُوجَّه لموسكو بسبب صمتها على الاعتداءات المُتكرِّرة على الأراضي السوريّة، الأمر الذي باتَ يُلقِي بظِلاله على المكانة الروسيّة كحليفٍ يُمكِن الاعتماد عليه في المِنطَقة، ونتوقع تغيّرًا مِحوريًّا وشيكًا في هذا الموقف.
ثالثًا: لم يكن صُدفة أن تُسرِّب القيادة الروسيّة تقريرًا استخباريًّا لصحيفة “كوميرسانت” نشرته الثلاثاء يؤكد أن الجيش العربي السوري ودفاعاته الجويّة سيكون جاهِزًا لاستخدام صواريخ “إس 300” الروسيّة المتقدمة اعتبارًا من شهر آذار (مارس) المُقبِل بعد الانتهاء من كافّة التدريبات وإتقان استخدامها، في إجابةٍ غير مباشرة على كُل الأسئلة والسائلين عن عدم استِخدام هذه الصواريخ في الرَّد على الطائرات الإسرائيليّة المُغيرَة فجر الإثنين.
رابعًا: سُقوط كل الاتّفاقات التي كانت تؤكد أن القوات الإيرانيّة ستكون بعيدةً بحواليّ 80 كيلومترًا عن الحدود السوريّة الجنوبيّة مع فِلسطين المحتلة وهضبة الجولان تحديدًا، في ظِل تفاهمات روسيّة إسرائيليّة، واعترفت الصحافة الإسرائيليّة نقلًا عن مسؤولين عسكريّين إسرائيليّين أن القوّات الإيرانيّة باتت تتمركز في قواعد على بُعد بِضعَة كيلومترات من هذه الحدود.
خامسًا: احتمالات الرد السوريّ الإيرانيّ على الهجمات الإسرائيليّة باتت كبيرةً، وإطلاق صاروخ متوسط المدى، وبرأس تفجيري وزنه نصف طن على هضبة الجولان كرد على الغارات الإسرائيليّة الأخيرة، يؤكد أن حاجز التردّد في الانتقام قد انكسر، فمن المؤكد أن فيلق القدس الذي يرأسه الجنرال قاسم سليماني لم يتّخذ القرار بإطلاق هذا الصاروخ إلا بعد التشاور مع القيادة الإيرانيّة العُليا، والمرشد الأعلى علي خامئني على وجه الخُصوص، أيّ أنّه قرار استراتيجيّ سيكون عُنوان المرحلة القادمة.
***
المَسؤولون الإسرائيليّون بالغوا كثيرًا في الحَديث عن تحقيق انتصارات بعد الغارات الصاروخيّة هذه التي قالوا إنّها استهدفت مخازن أسلحة وقواعد للحرس الثوري الإيرانيّ في سورية، وهِي انتصارات حَظِيت بالكثير من الشُّكوك من قبل الخُبراء العسكريّين الإسرائيليّين أنفسهم، ليس لأنّها اتّسمت بالمُبالغة، وإنّما أيضًا لأنّها جاءت إخفاءً لقرارٍ استراتيجيٍّ على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة، وهو فتح جبهة الجولان بطَريقةٍ تدريجيّةٍ، وإقامة جبهة جنوبيّة في مُواجهة الاحتلال.
العام الجديد الحالي في تقديرنا سيشهد قفزة نوعيّة مُفاجئة في منظومات الدفاع الجويّ السوريّ، بدُخول صواريخ “إس 300” إلى الميدان، فإذا كانت صواريخ روسيّة أقل تطوّرًا مثل “بانسير” و”بوك” تتصدّى بكفاءةٍ لافتةٍ لمُعظَم الصواريخ التي أطلقتها الطائرات الإسرائيليّة من الأجواء اللبنانيّة، أو من أصبع الجليل وبحرية طبريا المُحتلّين، لأنّها لم تجرؤ على اختراق الأجواء السوريّة خوفًا من السُّقوط، فكيف سيكون الحال بعد دخول صواريخ “إس 300” الخِدمَة حيث من المُتوقّع أن يتم التصدُي لهذه الطائرات بهذه الصواريخ حتّى في الأجواء اللبنانيّة، والروس لمّحوا إلى ذلك أكثر من مرّة بعد أن طفَح كيلهم من العربدةِ الاستفزازيّة الإسرائيليّة.
صحيح أنّ القِيادة السوريّة لا تُريد الحرب لأنّ أولويّاتها تُركّز على استعادة المُدن الخارِجَة عن سيطرتها مِثل إدلب، ومناطق الغاز والنفط شرق الفرات، ولكن ربّما يكون الوضع الإيرانيّ مُختَلِفًا، فالحرس الثوريّ الإيرانيّ بات قادِرًا على توجيه هجمات انتقاميّة صاروخيّة على إسرائيل ليس من جنوب سورية فقط، وإنّما من الأراضي العراقيّة أيضًا، وهذا ما يُفَسِّر التَّهديدات الإسرائيليّة الأخيرة للعِراق.
***
عندما يعتَرِف بنيامين نِتنياهو ثلاث مرّات بإقدام طائراته وصواريخه بصفته وزيرًا للدِّفاع أيضًا على شَنِّ عُدوانٍ على سورية في كسرٍ لمُحرّمات امتَدت أكثر من عشرة أعوام عرّضه لانتقادات عديدة من قبل مُعارضيه، ويؤكد دون أيّ داعٍ بأنّ إسرائيل تملك قُدرات دفاعيّة وهُجوميّة قويّة جِدًّا هي الأكثر تَقدُّمًا في العالم، وإنّ قبضة إسرائيل الضاربة ستَصِل إلى كُل من يتمنّى السُّوء لها، فهذا كَلامٌ يُوحِي بأنّ صاحبه قَلِق ومُتوتِّر ويُريد طمأنة مُستوطنيه الذين باتُوا مُحاصِرين بالصَّواريخ من ثلاث جبهات، الشِّمال والجَنوب والشَّرق.
ما لم يُدرِكه بعض العرب أنّ تحوّل إيران إلى دولة مُواجهة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، تَسُد بذلك الفَراغ الاستراتيجيّ النّاجم عن غيابهم سيُتوّجها زعيمةً للمِنطَقة العربيّة بأسْرِها، وسيُسقِط كُل أدبيّاتهم التي استَخدموها طِوال السنوات الماضية، والحافِلَة بالشتائم، والمَسبّات مِثل المجوس وأبناء المُتعَة وغيرها.
إيران تتمَدَّد في اليمن والعِراق وسورية وفِلسطين ولبنان وستعود قريبًا إلى السودان.. أمّا عرب التَّطبيع فيَنْطَبِق عليهم قول الأعرابي الفصيح “أشبعناهم شتْمًا وفازوا بالإبِل”، ونَعتَذِر عَن تِكرار هذه المَقولة مرَّةً ثانية، فهذا مَكانُها وزَمانُها.
[email protected]
أضف تعليق