حرب باردة اندلعت مع بداية العام الجديد بين الأشقاء الأعداء، أطاحت بكل أمل في إمكانية أن يكون العام الجديد، عام وحدة بين الفلسطينيين لمواجهة أشد المخاطر التي تتعرض لها القضية والشعب الفلسطيني وقد لا تنجو من تداعياتها الفصائل التي تعتقد أنها محصّنة.
كان من المفروض في أوضاع صحية أن يشكل الأول من كانون الثاني، ذكرى اطلاق حركة فتح الرصاصة الأولى التي فتحت عهداً جديداً من الكفاح، كان من المفروض أن يشكل مناسبة لاحتفال وطني شامل ولكن بدلاً عن ذلك، وما كان ذلك سيحصل في ظل الانقسام، تحوّل ذلك اليوم إلى مناسبة لاندلاع الصراع مرة أخرى.
انقلاب على الانقلاب، بأفق مفتوح على مزيد من الاختلافات ومزيد من الصراع، وأيضاً مزيد من الضعف والآلام التي يجرها الانقسام. كانت شرارة الحرب الباردة، قد انطلقت مع قرار المحكمة الدستورية العليا، التي قضت بحل المجلس التشريعي المعطل، وإجراء الانتخابات بعد ستة أشهر.
ومع أن قرار حل التشريعي، جاء معللاً، فإن قرار إجراء الانتخابات ينطوي على غموض إذ لم يتم تحديد ماهية الانتخابات إن كانت شاملة رئاسية وتشريعية، ومجلس وطني، أم انها تقتصر على التشريعي أو المجلس التأسيسي للدولة، إلاّ أن قرار الدستورية، عاد وطرح قضية الشرعيات وأطلق حملة واسعة من الاعتراضات والانتقادات وردود الفعل على نحو واسع. وكالعادة، تصاعدت الحملات والاشتباكات الإعلامية، واتسعت دائرة الاتهامات الصعبة المتبادلة بين القوتين الأعظم في الساحة الفلسطينية محملة بأسوأ العبارات، التي يطفح بها مخزون الحوار وآدابه.
كان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وزير الشؤون المدنية قد أعلن قبل ذلك أن طريق المصالحة قد بات مقفلاً، لكن ذلك الطريق لم يكن مفتوحاً في الأساس، بعد أن فشلت كل المحاولات، في تحقيق مساومة مقبولة لإنهاء الانقسام.
في الواقع فإن التوصل إلى صيغة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، كان من الأساس، غير وارد في ظل تناقض الحسابات، وتناقض الرؤى خاصة وقد جرى خلال الاثني عشر عاماً مراكمة الكثير من الوقائع والعقبات الصعبة التي يصعب تجاوزها.
حتى مقولة التمكين ما كانت لتتحقق للحكومة في غزة، طالما أن عناصر القوة لدى حركة حماس، تتحكم في تلك العملية، ولأن مسألة التمكين أو غير ذلك لا تتصل بالنوايا، وإنما بالمصالح.
في وضعية كهذه، تنطوي على ازدواجية سلطة، وتوازن قوى، كل ما يملك من إمكانيات مادية وسياسية، ومالية وغيرها، لا يمكن لأي صيغة أن تعيد بناء القرار والمؤسسة الوطنية، على أسس من الشراكة والرضى إذ لا بد أن تتراجع إحدى القوتين لصالح الوطنية الفلسطينية.
من الواضح أن الأمور لن تقف عند حدود ما جرى حتى الآن، وهي في سبيلها إلى مزيد من التدهور.
بعد نحو عامين على الإجراءات التي اتخذتها السلطة وطالت عشرات آلاف الموظفين، والتي كانت تستهدف تشديد الضغط على حركة حماس، يتضح العكس من ذلك، فقد صمدت حماس، وكان الانهيار من نصيب حركة فتح، التي ينتمي إليها الجزء الأعظم من الموظفين.
ثمة استدراك متأخر، من قبل السلطة وحركة فتح، حيث يجري الحديث عن إعادة صرف رواتب ومستحقات الموظفين خلال الأشهر القادمة، وفصل آخرين على خلفية انتماءاتهم بعد أن اتضح أن هؤلاء تركوا واتجهوا نحو جماعة محمد دحلان.
لا نعرف ماذا يعني الإعلان الذي يصدر عن عديد المسؤولين في فتح والمنظمة من أن هذا العام هو عام استعادة غزة إلى حضن الشرعية. ولا نعتقد، أيضاً، أن الأمر يتعلق بإجراء الانتخابات، التي لا يمكن أن تجرى في ظل الانقسام، وغياب المؤسسة الوطنية الجامعة والضامنة لإجراء انتخابات نزيهة، هذا فضلاً عن سؤال الانتخابات في القدس، خصوصاً وقد أعلنت بعض الفصائل مسبقاً أنها لن تشارك فيها. إذاً هي الحرب الباردة، واستخدام وسائل الإكراه والضغط والتي يمكن أن تطال الموازنات المخصصة لقطاع غزة، ويقال إنها نحو ستة وتسعين مليون دولار. من الواضح، أيضاً، أن السلطة ستقوم بفرض حصار سياسي على علاقات حماس الخارجية، وربما يتم الإعلان عنها كحركة خارجة عن القانون الفلسطيني. مقابل ذلك لدى حماس، ما تفعله، أيضاً، خاصة إذا قررت قيادة فتح تفعيل دور الحركة في قطاع غزة، ما يعني تدهور حالة الحريات، وربما تندفع الأوضاع نحو فوضى متزايدة.
أما المحطة الثانية التي اشتعل فيها وعليها الاشتباك فقد جاءت على خلفية احتفالات إيقاد الشعلة في الجندي المجهول، وسط غزة، سبقها ورافقها وتبعها حملات واسعة من الاعتقالات، والاستدعاءات لقيادات وكوادر من حركة فتح.
ثم جاءت المحطة الثالثة والتي تتصل باقتحام مقر الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في منطقة تل الهوى بغزة، وتدمير محتوياته عن بكرة أبيها فكانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير.
وبصرف النظر عن الفاعلين المباشرين وخلفياتهم وأسبابهم، والذين أعلنت داخلية حماس أنها تعرفت إليهم، إلاّ أن الحركة تتحمل مسؤولية كبيرة لكونها هي التي تتحمل مسؤولية الأمن في القطاع.
ليس هناك ما يمكن الاعتزاز به فيما وقع لمقر الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، فهي إن كانت جريمة مكتملة الأركان بحق مؤسسة وطنية سيادية، إلاّ أن ما تعرضت له، يشكل فشلاً أمنياً، بما أنه قد يشير إلى بداية فوضى.
بعض المتحذلقين والشامتين، آثروا أن يتحدثوا عن هوية التلفزيون، الذي يتهمونه بأنه تلفزيون حركة فتح والسلطة، وليس التلفزيون الوطني الفلسطيني، ولكن حتى لو كان الأمر كذلك فإن ثمة جريمة تم ارتكابها بحق المؤسسات الإعلامية، وتشكل اعتداءً صارخاً على حرية التعبير.
هكذا يكون انتهى عصر الحوار، إن كان مباشراً أو غير مباشر بين الحركتين ليدخل الطرفان في جملة من الإجراءات والإجراءات المضادة.
[email protected]
أضف تعليق