هذا سؤال طرحته، أمس، معظم الصحف الإسرائيلية من خلال كُتّاب الرأي الذين يرون أن الأحداث في الضفة الغربية تتسارع نحو المجهول، وأن المنطقة تغلي من الداخل وإن كانت القشرة الخارجية تبدو باردة نسبياً.
الإسرائيليون منقسمون، فهناك الأجهزة الأمنية وجيش الاحتلال الذين حذّروا القيادة السياسية منذ أشهر من أن الضفة الغربية "تغلي" وأنه لا بد من اتخاذ إجراءات ما. وكان آخر المحذّرين رئيس أركان الاحتلال غادي آيزنكوت الذي تحدث أمام "الكابينيت" الإسرائيلي، موضحاً أن الضفة الغربية مقبلة على جولة جديدة مما أسماه "العنف"، لكن حكومة الاستيطان العنصرية أخذت تحذيراته باستهزاء.
أما القسم الثاني، فهم المستوطنون الذين يعملون على ابتزاز الحكومة الضعيفة أمامهم، خاصة أن أعضاءها من اليمين المتطرف مدينون للمستوطنين بوصولهم إلى القيادة.
المستوطنون يُصعّدون اعتداءاتهم الإرهابية بمختلف أشكالها: عمليات سلب الأراضي، وقتل المواشي، وطرد الرعاة، وتقطيع الأشجار، وإقامة البؤر الاستيطانية في كل مكان وليس انتهاءً بعمليات القتل التي كان آخرها امرأة استشهدت على طريق نابلس على يد المستوطنين الذين يفلتون دائماً من العقاب.
أما الحكومة الإسرائيلية المرعوبة من تظاهرات المستوطنين، فإنها لا تتأخر عن تقديم كل ما يرضيهم.
رئيس حكومة الاحتلال أعلن، أول من أمس، عن مجموعة من الإجراءات لإرضاء المستوطنين لعلهم يساهمون في إخراجه من ورطة الفساد وبقائه في منصبه.
أما زعيم حزب "البيت اليهودي" نفتالي بينيت، فلم يتأخر هو، أيضاً، وأعلن عن تقديم مشروع قانون لإبعاد ذوي منفذي العمليات.
هناك كثير من التعليقات من وزراء أو نواب وزراء كلها تدعو إلى "الانتقام" وتدفيع الثمن للفلسطينيين، حتى إنهم يتجاوزون سقف ما يطالب به غلاة المستوطنين الإرهابيين.
القسم الثالث من الإسرائيليين، وهم قلة مما تبقى من اليسار والعلمانيين وبعض المثقفين حائرون في هذا الوضع ويحاولون قدر الإمكان التحدث بنغمة مختلفة ولكن دون رفع الصوت، وهم، أيضاً، يُحمّلون حكومة نتنياهو مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في الضفة الغربية بسبب عنجهيتها وعدم قدرتها على التحرك السياسي، وتعمّدها عدم استئناف المفاوضات.
أمام هذا الواقع، هل هناك انتفاضة ثالثة على الأبواب؟! قد يبدو السؤال أصعب بكثير من الإجابة عنه، لأن الانتفاضة ليست قراراً سياسياً يتخذه قائد أو مسؤول أو حتى فصيل أو حركة مهما كانت. وأكبر دليل على ذلك هو الانتفاضة الأولى، من كان يتوقع أن تنقلب الأمور في أقل من 48 ساعة بسبب حادث سير؟! على الرغم من أن الفلسطينيين كانوا وقتها في وضع اقتصادي مريح، لم تكن هناك بطالة بين العمّال. بل أكثر من ذلك كان يطلق على تل أبيب "مملكة غزة" لأن كل مفاصل الحياة فيها كانت ممسوكة من عمال غزة.
الانتفاضة الثانية، أيضاً، لم يكن أحد يتوقع أنها ستندلع بهذه الطريقة، على الرغم من كثير من التحفظات الفلسطينية عليها، والشوائب التي لحقت بها للأسف.
لكن الشيء المؤكد الذي يمكن البناء عليه هو أعراض الانتفاضة، وهي مقدمات تهزّ الجسد الفلسطيني بكل أطيافه، بحيث ترتفع درجات حرارة الجسم حتى تصل مرحلة الغليان ثم الانفجار.
في الانتفاضة الأولى، كانت هناك مجموعة من الإجراءات الإسرائيلية التي تسببت بتسريع حالة الغليان.. ابتداءً من الاعتداءات على القرى والمدن الفلسطينية التي وصلت درجة إذلال الشباب الفلسطيني. ولمن فقد ذاكرته نريد أن نذكره ـ على سبيل المثال ـ كيف تعمّد جنود الاحتلال إخراج طلبة الجامعات من سكناتهم في ليالي البرد القارس وتقييدهم وإجبارهم على أن يرفعوا أصواتهم بالمناداة وكأنهم بائعو خضار. وكيف كان بعض الجنود يحتجزون الشباب ويطلبون منهم صفع بعضهم قبل الإفراج عنهم.. إذاً هي الكرامة، كرامة الفرد وبحثه الدائم عن حريته وحرية أرضه ووطنه.. كانت الاعتقالات والاقتحامات اليومية سبباً، أيضاً، في اتقاد النيران تحت مرجل الضغط في الضفة والقطاع. فقدان الناس الأمل وحشرهم في زاوية ضيقة أدى أيضاً إلى الانفجار الذي شارك فيه الجميع من فتية وشبان ونساء ورجال وشيوخ، كانت تجربة مثيرة حتى على المستوى العالمي.
هناك كثير من الأعراض اليوم التي تعمل على رفع درجات الحرارة دون أن نعلم متى يمكن أن تصل إلى حالة الغليان بعد أسبوع أو شهر أو ربما سنة، ولكنها إذا ما استمرت فإن الانفجار قادم لا محالة.
ماذا تعني كل الاعتداءات الإرهابية الاستيطانية، من الاستيلاء على الأراضي وتقطيع أوصال الضفة، وهدم البيوت، والتهجير القسري للسكان؟ وماذا يعني الإذلال على الحواجز والمفترقات في الشوارع الالتفافية؟ وماذا يعني حصار المدن والقرى الفلسطينية؟ الأمر الآخر، هو تعمّد سلطات الاحتلال إضعاف السلطة، وحتى تشكيل رأي عام فلسطيني بأنها سلطة ضعيفة غير قادرة على الدفاع عنهم، ومؤشرات ذلك كثيرة خلال اقتحام المدن.
يقولون: إن وسائل الإعلام الاجتماعي مؤشر على الأوضاع، قد يكون هذا صحيحاً إلى درجة ما، ولكن ليس بالحجم الذي يصوّره البعض، لأن الانتفاضة الثالثة تعج في وسائل التواصل منذ أشهر.. انظروا إلى قهر السكان ومعاناتهم، وخاصة الشبان من هذا الوضع غير المحتمل، وسياسة اللاسلم واللاحرب وفرض الحلول السياسية بالقوة.
الانتفاضة الثالثة ستكون حتمية في ظل استمرار الأعراض المرضية التي يسببها الاحتلال ومستوطنوه؟!
[email protected]
أضف تعليق