في خضم ما يعيشه المواطن العربي في إسرائيل من وجع التحدّيات التي تبدأ ولا تنتهي، وفي خضم العنصرية الآخذة بالتفشي أكثر فأكثر في الشارع الإسرائيلي، ما زالت بعض الأصوات البسيطة من قبل المجتمعين اليهودي والعربي يبحثون عن نقطة أمل وعمل نحو خلق مناخ للعيش المشترك أو الطبيعي إذا صح القول.
من خلال فيلم وثائقي تم عرضه الأسبوع الماضي على قناة مكان، نجح السيناريست والمخرج بلال يوسف برصد حالة العنصرية التي يتمترس خلفها المجتمع الإسرائيلي في جولة تأخذ المشاهد إلى أروقة المستشفيات الإسرائيلية (مستشفى هعيمق في العفولة على وجه التحديد) لتعكس واقعاً مغايراً ومناقضاً لما هو عليه الحال خارج المستشفى. فيلم " في قلب العاصفة" وهو فيلم من سلسلة أفلام " العيش في التعايش" والذي أطلقتُ عليه أنا اسم " العيش في لهيب العنصرية" هذه العنصرية التي تقتل جميع أطرافها حتى تحترق وتحرق كل من حولها بالكامل، طرح المخرج من خلال فيلمه عدّة تساؤلات أهمها؛ هل يمكن الاستمرار بهذا النهج طويلا؟ هل هناك من خاسر ورابح في نهج العنصرية؟.
ربما جائت صدفة بث الفيلم الذي استمر العمل عليه مدة أشهر طويله بتزامن ملفت ومثير للانتباه في ذات الأسبوع الذي ادى فيه اعضاء المجلس البلدي في مدينة العفولة قسم اليمين ليحافظوا على الطابع اليهودي للمدينة، ومُنع دخول "غير العفوليين" (من الواضح أن القصد هنا هو منع دخول العرب) إلى المتنزه العام في المدينة... ولسخرية القدر، اختار المخرج أن يصنع فيلمه هذا في ذات المدينة التي تريدها ادارتها خالية من العرب وكأنه أراد أن يسلّط الضوء على أنّ فكرة التعايش بعيدًا عن لهيب السياسة والعنصرية هي ليست فكرة مستحيلة، والدليل هو ما يحصل بين أروقة المستشفيات، فالمريض عندما يزور المستشفى في قمّة ضعفه ومرضه لا يريدُ شيئا سوى الخلاص من الوجع والألم الذي حلّ به، فلا يسأل عن سياسة عنصرية أو تصفيات أو إبادة، بل يسأل النجاة والخلاص من مرضه، في ذلك المكان تُقلب كل موازين الطبيعة الإنسانية، فيعود الإنسان بعد حربه في الخارج إلى إنسانيّته، يبحث عن الدواء وعن الطبيب بغض النظر عن أي انتماء أو لغة أو عرق أو أي مفاهيم أُخرى، هناك يُجرّد الإنسان من كل شيء إلّا إنسانيته! فنرى الأطباء والمرضى والمُمرضين والمُمرضات يعيشون كمجتمع مُختلف، مُجتمع مُتعايش، يصبو للحياة ويريد الأمل والانطلاق نحو الصحة بدون ألم ووجع نفسي وجسدي، هُناك تُسقط كل الحواجز والأقنعة، فيعالج الطبيب المريض وهو يحمل رسالة تنفي كل أساليب العنصرية وتخطّ مكانها الرحمة والإنسانية، وكذلك المريض في لحظة ضعفه ووجعه يضع كل ما يملك من مفاهيم سابقة ومن عنصرية قد تربى عليها جانبًا وينظر إلى طبيبه كمخلّص له بعض النظر عن انتماء الطبيب السياسي أو القومي!
على الرغم من الشخصيات المختلفة التي يصحبها الفيلم في طيات مشاهده، بنظري كان بطل هذا الفيلم هو الدكتور " نائل بشارات" مدير قسم الأمراض الباطنية الذي تحدّث عن الصعوبات التي يعيشها المواطن العربي في دولة إسرائيل وعن العنصرية التي يُعاني منها العربي في الدولة، والتي طالته هو أيضا في مجال عمله كطبيب داخل أروقة المستشفى من قبل بعض المرضى، وعن العنصرية التي يواجهها في المطار أثناء سفره لأداء واجبه كطبيب وانتقاله من مؤتمر إلى آخر، حيث يضطر في كثير من الحالات إلى إشهار بطاقة الطبيب التي بحوزته حتّى يُخفف الأمن عليه حدّة الأسئلة والاستفسارات الأمنية! وهذا ما يعيشه المواطن العربي في إسرائيل عامّة من ملاحقات وأسئلة أمنية جارحة وجارفة أحيانًا للإنسانية لمجرّد أنّه عربي لا أكثر!
السؤال الأبرز الذي حاول المخرج من خلال طرحه على نائل بشارات الإشارة إلى الإسفاف العنصري الذي بات شيئاً بديهيا في الشارع الإسرائيلي، كان سؤاله عن شعوره كطبيب أثر تصريحات نائب الكنيست عن حزب "البيت اليهودي" بتسلئيل سموترتش حيث أعرب في الماضي عن رفضه أن يوّلد طبيب عربي زوجته أو يعالجها.
أُختُتم الفيلم في قسم المواليد الجدد وبصرخة طفل مولود جديد أنهى المخرج فيلمه، وفي هذا رسالة واضحة تنص على أنّ المولود يولد مُجرّدًا من كل شيء ونحنُ من نعطيه اسمًا، ونعطيه ديانة، معتقدات، مفاهيم، تقاليد وعادات نُكسبه أيّاها كما هي وفي طيّاتها العنصرية المكنيّة أيضًا، ولو عدنا لأصل خليقتنا نرى أننا ولدنا مُجرّدين من كل شيء وبأنّ ما نعيشه اليوم هو نتاج سياسي محض، علينا أن نكون بوعينا الكافي لنرى هذه الصورة بوضوح أكبر. إلا أنه ومن المؤسف القول أن الفيلم لم يتطرق للفصل بين النساء العربيات واليهوديات في أقسام الولادة والذي تنتهجه أو تتيحه على الأقل الكثير من المستشفيات الإسرائيلية.
وفي نهاية الفيلم يتركنا المخرج مع السؤال المفتوح هل علينا جميعا أن نعيش داخل مستشفيات عملاقة حتّى نعتاد العيش والتعايش بعيدًا عن الكراهية والعنصرية ؟ وحتّى نعيش إنسانيتنا بكل ما تحمله الكلمة من معاني سامية ونجرّد أنفسنا من كل الأفكار المسبقة التي بنيناها عن الآخر، هل من الممكن أن نعود أطفالا ولدت من جديد وجرّدت نفسها من كل هذه الشوائب التي أُقحمنا جميعًا بها دون رغبتنا؟!
والإجابة عندك أنت كمشاهد لهذا الفيلم، وقارئ لهذه المقالة!
أريج عساف داموني.
أريج عسّاف- داموني
" في قلب العاصفة" متنفّس عبر الشاشة
في خضم ما يعيشه المواطن العربي في إسرائيل من وجع التحدّيات التي تبدأ ولا تنتهي، وفي خضم العنصرية الآخذة بالتفشي أكثر فأكثر في الشارع الإسرائيلي، ما زالت بعض الأصوات البسيطة من قبل المجتمعين اليهودي والعربي يبحثون عن نقطة أمل وعمل نحو خلق مناخ للعيش المشترك أو الطبيعي إذا صح القول.
من خلال فيلم وثائقي تم عرضه الأسبوع الماضي على قناة مكان، نجح السيناريست والمخرج بلال يوسف برصد حالة العنصرية التي يتمترس خلفها المجتمع الإسرائيلي في جولة تأخذ المشاهد إلى أروقة المستشفيات الإسرائيلية (مستشفى هعيمق في العفولة على وجه التحديد) لتعكس واقعاً مغايراً ومناقضاً لما هو عليه الحال خارج المستشفى. فيلم " في قلب العاصفة" وهو فيلم من سلسلة أفلام " العيش في التعايش" والذي أطلقتُ عليه أنا اسم " العيش في لهيب العنصرية" هذه العنصرية التي تقتل جميع أطرافها حتى تحترق وتحرق كل من حولها بالكامل، طرح المخرج من خلال فيلمه عدّة تساؤلات أهمها؛ هل يمكن الاستمرار بهذا النهج طويلا؟ هل هناك من خاسر ورابح في نهج العنصرية؟.
ربما جائت صدفة بث الفيلم الذي استمر العمل عليه مدة أشهر طويله بتزامن ملفت ومثير للانتباه في ذات الأسبوع الذي ادى فيه اعضاء المجلس البلدي في مدينة العفولة قسم اليمين ليحافظوا على الطابع اليهودي للمدينة، ومُنع دخول "غير العفوليين" (من الواضح أن القصد هنا هو منع دخول العرب) إلى المتنزه العام في المدينة... ولسخرية القدر، اختار المخرج أن يصنع فيلمه هذا في ذات المدينة التي تريدها ادارتها خالية من العرب وكأنه أراد أن يسلّط الضوء على أنّ فكرة التعايش بعيدًا عن لهيب السياسة والعنصرية هي ليست فكرة مستحيلة، والدليل هو ما يحصل بين أروقة المستشفيات، فالمريض عندما يزور المستشفى في قمّة ضعفه ومرضه لا يريدُ شيئا سوى الخلاص من الوجع والألم الذي حلّ به، فلا يسأل عن سياسة عنصرية أو تصفيات أو إبادة، بل يسأل النجاة والخلاص من مرضه، في ذلك المكان تُقلب كل موازين الطبيعة الإنسانية، فيعود الإنسان بعد حربه في الخارج إلى إنسانيّته، يبحث عن الدواء وعن الطبيب بغض النظر عن أي انتماء أو لغة أو عرق أو أي مفاهيم أُخرى، هناك يُجرّد الإنسان من كل شيء إلّا إنسانيته! فنرى الأطباء والمرضى والمُمرضين والمُمرضات يعيشون كمجتمع مُختلف، مُجتمع مُتعايش، يصبو للحياة ويريد الأمل والانطلاق نحو الصحة بدون ألم ووجع نفسي وجسدي، هُناك تُسقط كل الحواجز والأقنعة، فيعالج الطبيب المريض وهو يحمل رسالة تنفي كل أساليب العنصرية وتخطّ مكانها الرحمة والإنسانية، وكذلك المريض في لحظة ضعفه ووجعه يضع كل ما يملك من مفاهيم سابقة ومن عنصرية قد تربى عليها جانبًا وينظر إلى طبيبه كمخلّص له بعض النظر عن انتماء الطبيب السياسي أو القومي!
على الرغم من الشخصيات المختلفة التي يصحبها الفيلم في طيات مشاهده، بنظري كان بطل هذا الفيلم هو الدكتور " نائل بشارات" مدير قسم الأمراض الباطنية الذي تحدّث عن الصعوبات التي يعيشها المواطن العربي في دولة إسرائيل وعن العنصرية التي يُعاني منها العربي في الدولة، والتي طالته هو أيضا في مجال عمله كطبيب داخل أروقة المستشفى من قبل بعض المرضى، وعن العنصرية التي يواجهها في المطار أثناء سفره لأداء واجبه كطبيب وانتقاله من مؤتمر إلى آخر، حيث يضطر في كثير من الحالات إلى إشهار بطاقة الطبيب التي بحوزته حتّى يُخفف الأمن عليه حدّة الأسئلة والاستفسارات الأمنية! وهذا ما يعيشه المواطن العربي في إسرائيل عامّة من ملاحقات وأسئلة أمنية جارحة وجارفة أحيانًا للإنسانية لمجرّد أنّه عربي لا أكثر!
السؤال الأبرز الذي حاول المخرج من خلال طرحه على نائل بشارات الإشارة إلى الإسفاف العنصري الذي بات شيئاً بديهيا في الشارع الإسرائيلي، كان سؤاله عن شعوره كطبيب أثر تصريحات نائب الكنيست عن حزب "البيت اليهودي" بتسلئيل سموترتش حيث أعرب في الماضي عن رفضه أن يوّلد طبيب عربي زوجته أو يعالجها.
أُختُتم الفيلم في قسم المواليد الجدد وبصرخة طفل مولود جديد أنهى المخرج فيلمه، وفي هذا رسالة واضحة تنص على أنّ المولود يولد مُجرّدًا من كل شيء ونحنُ من نعطيه اسمًا، ونعطيه ديانة، معتقدات، مفاهيم، تقاليد وعادات نُكسبه أيّاها كما هي وفي طيّاتها العنصرية المكنيّة أيضًا، ولو عدنا لأصل خليقتنا نرى أننا ولدنا مُجرّدين من كل شيء وبأنّ ما نعيشه اليوم هو نتاج سياسي محض، علينا أن نكون بوعينا الكافي لنرى هذه الصورة بوضوح أكبر. إلا أنه ومن المؤسف القول أن الفيلم لم يتطرق للفصل بين النساء العربيات واليهوديات في أقسام الولادة والذي تنتهجه أو تتيحه على الأقل الكثير من المستشفيات الإسرائيلية.
وفي نهاية الفيلم يتركنا المخرج مع السؤال المفتوح هل علينا جميعا أن نعيش داخل مستشفيات عملاقة حتّى نعتاد العيش والتعايش بعيدًا عن الكراهية والعنصرية ؟ وحتّى نعيش إنسانيتنا بكل ما تحمله الكلمة من معاني سامية ونجرّد أنفسنا من كل الأفكار المسبقة التي بنيناها عن الآخر، هل من الممكن أن نعود أطفالا ولدت من جديد وجرّدت نفسها من كل هذه الشوائب التي أُقحمنا جميعًا بها دون رغبتنا؟!
والإجابة عندك أنت كمشاهد لهذا الفيلم، وقارئ لهذه المقالة!
أريج عساف داموني.
[email protected]
أضف تعليق