بقلم:طلال سلمان السفير العربي
هزت المقاومة الشعبية الباسلة في “غزة هاشم” الاستقرار في دولة العدوان المفتوح إسرائيل، واضطرت وزير الدفاع السفاح فيها أفيغادور ليبرمان الى تقديم استقالته بأمل أن يهز استقرار دولة العدو ويضطرها الى إجراء انتخابات مبكرة يحصد فيها نتائج الغارات الوحشية التي شنها على فتية القطاع ومنشآته..
لكن نتنياهو، المعتمد الآن على “الدعم العربي” قبل الدعم الأميركي ومعه، قرر قبول استقالة وزير دفاعه وتعيين بديل عنه، في انتظار الانتخابات التي ستنتهي بولادة كنيست جديد..
ذلك أن العديد من العواصم العربية قد فتحت أبوابها على مداها ترحيباً بزيارات رئيس حكومة العدو الإسرائيلي.. فما بين عمان وعُمان لا حواجز ولا قيود، وما بين قاهرة المعز في مصر ورباط الفتح في المغرب “الطرق سالكة” ولا حواجز تمنع عبور “العدو” الى عواصم دنيا العرب..
..وها هو وزير خارجية لبنان حيث تستقيل الحكومات تباعاً ويبقى جبران باسيل وزيراً للخارجية يجوب العالم محرضاً المغتربين المن لونه الطائفي على اخوتهم في الوطن، فلا يلقى من يصده او يرد عليه، لا من داخل “حكومة الوحدة الوطنية” ولا من خارجها، بل يتحول مع صعوبة تشكيل حكومة “اللون السني الواحد” الى وسيط بين سعد الحريري و”سنة المعارضة”… ثم يقف في احتفال عند نهر الكلب، الذي تحمل بعض صخور مجراه لوحة تخلد اجلاء قوات الاحتلال الفرنسي من لبنان في العام 1946، ليطالب بلوحة جديدة تخلد “جلاء” لقوات السورية عن لبنان في العام 2005… كأنما الجيشان، الفرنسي والسوري، كانا جيشي احتلال.. لا فرق بين عربي وأعجمي!
أما الملك سلمان بن عبد العزيز فقد مهد بنفسه لما يجري الآن في السعودية، وبأمرها في اسطنبول، في تصريح علني لجريدة “السفير” في اواخر العام 1979، وبعدما قُضي على جهيمان العتيبي الذي اجتاح الكعبة في مكة المكرمة، واضطرت المملكة المذهبة الى الاستعانة بالوحدات الخاصة الفرنسية والاردنية لقتله مع حوالي المائتين من انصاره..
قال الملك سلمان ان جد أجداده هو مسيلمة الكذاب، الذي حاول تقديم نفسه لأهل الجاهلية على انه نبي مثل الرسول الاكرم محمد بن عبدالله..
ومسيلمة الكذاب هو هو الذي يحاول الآن تبرئة نفسه من الجريمة الشنيعة التي تم التخطيط لها في الرياض وتم تنفيذها في القنصلية السعودية في اسطنبول بواسطة خمسة عشر رجل مخابرات أوفدتهم السعودية لتنفيذ هذه “المهمة المقدسة”.
وصحيح ان الادارة الاميركية بشخص رئيسها ترامب قد فتحت “المزاد “امام محاولة تبرئة المملكة بشخص ولي عهدها الامير محمد بن سلمان، وحصر المسؤولية عن الجريمة بمن كلفوا فنفذوا الامر وانتقلوا الى اسطنبول.. فلما اتموا الذبح وتقطيع الجثة ارباً، واخفاء البقايا وتنظيف القنصلية من آثار “المذبحة” عادوا الى الرياض ليقفوا امام من اوفدهم فيخبطوا اقدامهم على الارض ويقولون بلهجة الفوز: تمام يا فندم! المهمة انجزت!
سوريا غارقة في دمائها نتيجة الحرب فيها وعليها،
والعراق مشغول بمحاولة اعادة اللحمة الوطنية ومنع الفتنة الطائفية من الاستيقاظ مجدداً لتدمر مشروع بناء الوطن العراقي بمكوناته جميعاً، العرب والكرد، وبكل اديانه وطوائفه، الشيعة والسنة والسريان الارثوذكس والصابئة والأزيديين الذين يعبدون الشيطان (بوصفه الاله الثاني) اتقاء لشره.
ومصر مرتهنة الارادة بحاكمها الذي يحاول جاهداً تصغيرها ورهن مكانتها لدى اغنياء النفط الذين هجروا عروبتهم من زمان.. وها هي الولايات المتحدة الاميركية بقيادة ترامب العظيم، تسترهن مصر ذات التاريخ المضيء بثلاثين من الفضة..
في حين يتسلى رئيس الجزائر، بوتفليقة، بتغيير الوزارة كل بضعة اشهر، و”تطهير” الجيش من قياداته العليا، ليظل له حق الامرة على العسكر الذي سانده في الوصول الى هذا الموقع الممتاز، فاستعاده من دولة الامارات حيث كان بحكم اللاجئ السياسي ليجعله رئيساً لا يشبع من تجديد ولايته، كل اربع سنوات، قبل ان تستقر اوضاع البلاد بما يمهد لانتخاب رئيس جديد..
فأما المغرب فعلاقاته مع الكيان الاسرائيلي مفتوحة، بذريعة ان له جالية كبيرة من المغاربة اليهود فضلوا الانتقال الى دولة الاحتلال بدلاً من البقاء في وطنهم الذي كان دائماً وطنهم، ولم يلحقهم أي ضيم فيه ولم يقع ضدهم اي اعتداء بعد اقامة الكيان الإسرائيلي..
ماذا تطلب اسرائيل أكثر من هذا؟!
لقد حققت “بالسلم” الاميركي ما لم تحققه بالحرب.. وها هي تُخيف ولا تخاف، الا من المجاهدين الذين زادهم الله هدى… تنسف بيوت المناضلين الذين يقاومون احتلالها، تعتقل الرجال والنساء والفتية والصبايا ذات الوجوه القمرية والشعر الحرير بعنوان تيماء…
ان الوطن العربي على وشك التحول الى مستعمرة اسرائيلية تحت الهيمنة الاميركية، لا تتخذ دولها، الكبرى والاصغر والصغرى، أي قرار يخالف الارادة الاميركية ـ الاسرائيلية.
لقد اختلف حكام الدول العربية في ما بينهم الى حد تلويح بعضهم بمحاربة الآخرين بغير ادنى اهتمام بـ”الرعايا” في البلدين المعنيين الذين كانوا اخوة فتم تفريقهم وتحريض بعضهم ضد البعض الآخر، بحيث باتت اسرائيل عوناً لهذا الطرف ضد ذاك، وبالتالي الدولة المهيمنة على القرار العربي..
ولا يستبعد ان يلعب رئيس الحكومة الاسرائيلية دور “المصلح” بين الحكام العرب المتقاطعين والمتخاصمين والمتفقين على اقفال الحدود بين دولهم الكرتونية كل منهم في وجه رعايا النظام الآخر المصنف عدواً، بينما باتت اسرائيل الصديق والحليف بعدما تم اسقاط العداء ونسيان فلسطين وتركها للزمن الذي يستهلكه أصحاب الجلالة والسيادة والسمو، وهم يحاصرون رعاياهم ويقمعون أي تحرك لهم… الا التوجه الى المطار للسفر الى أي مكان يقبلهم، ولو كلاجئين او خدم منازل او عمال تنظيفات في عواصم يمكن تنظيفها، بينما يستحيل تنظيف عواصمهم الا من فوق!
[email protected]
أضف تعليق