خالف رئيس «البيت اليهودي» وزير التعليم في الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت، وزميلته ايليت شاكيد توقعات المراقبين، بإعلانهما صباح أمس، الاثنين، في مؤتمر صحافي عدم الاستقالة من حكومة بنيامين نتنياهو، والتي كانت متوقعة بعد أن كان أعلن نتنياهو مساء الأحد الماضي، احتفاظه بحقيبة الأمن التي شغرت بعد استقالة الوزير السابق في الحكومة أفيغدور ليبرمان، رافضا بذلك مطلب بينيت منحه إياها.
بذلك يكون حزب «البيت اليهودي» قد جنّب حكومة نتنياهو الرابعة التفكك ومن ثم السقوط، ومواجهة احتمال الذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة، قبل عام من موعدها الطبيعي المحدد في تشرين الثاني من العام القادم 2019، ورغم أن القرار كان غير متوقع، إلا أن الضغوطات التي تعرض لها بينيت، إن كان من قبل حاخامات الصهيونية الدينية، أو قادة المستوطنين، من الواضح أنها قد دفعته إلى عدم تقديم استقالته.
ظهر بذلك حزب «البيت اليهودي» كحزب انتهازي، ذلك أن إسقاط الحكومة كان سيظهر من احد جوانبه على انه انتصار لافيغدور ليبرمان خصم بينيت، فيما كان سيظهر «البيت اليهودي» كمتسبب مباشر لإسقاط حكومة اليمين، أو كضاغط على نتنياهو يدفعه إلى خيار آخر وهو أن يجرب لتجنب سقوط حكومته خيار الشراكة مع المعسكر الصهيوني بزعامة تسيبي ليفني وحزب العمل، أو الذهاب لانتخابات مبكرة في نهاية المطاف، تجري في آذار القادم، ويكون من شأنها تأجيل طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب صفقة العصر، كما تشير بذلك التقديرات في وقت بات وشيكا.
ورغم أن الأزمة لم تنته تماما، حيث إن حزب «كولانو» الوسطي بزعامة موشيه كحلون، وزير المالية، كان قد فضّل الذهاب للانتخابات، إلا أن الموقف النهائي لـ»البيت» اليهودي، يكون قد أبقى على الحكومة بأغلبيتها البسيطة قائمة، لمدة عام آخر، ستواجه خلالها، ما سينجم عن استحقاقات طرح خطة القرن الأميركية، في الوقت الذي سيكون فيه نتنياهو أضعف مما كان عليه في مواجهة شركائه، خاصة «البيت اليهودي» نفسه، الذي لابد أن يتطلع إلى مكافأة ما مقابل إبقائه على الحكومة، وعدم حصوله على وزارة الأمن في الوقت نفسه.
بل إن أي انسحاب محتمل، حتى لعضو كنيست واحد، يعني خلط الأوراق مجدا وفي أي لحظة، لذا فإنه يمكن القول إن حكومة نتنياهو الرابعة باتت حكومة معلقة، ومهددة في أي لحظة بالسقوط، لمجرد وقوع خلاف بين نتنياهو وأي من شركائه الحاليين، بل إن بينيت نفسه قال إنه سيتم اختبار إن كانت الحكومة تسير في الاتجاه الأمني الصحيح خلال الأسابيع القادمة أم لا.
أما لماذا ضغط حتى أعضاء «البيت اليهودي» على زعيمهم من أجل عدم الاستقالة، فيبدو أن السبب كان هو احتمال تراجع عدد مقاعد الحزب في الانتخابات المبكرة، كذلك بدافع من زعماء مستوطني الضفة الغربية الذين يعتبرون القاعدة الانتخابية الرئيسية لـ»البيت اليهودي»، والذين بات تأثيرهم كبيرا عبر الحزب على الحكومة منذ العام 2015، والذين رأوا في ظهور «نجم» مستوطني غلاف غزة منافسا لهم، خاصة بعد التناغم الذي حدث بينهم وبين حزب ليبرمان، «إسرائيل بيتنا».
من يدري إلى أين يمكن أن تؤول الأمور، التي لم تهدأ أو تستقر تفاعلاتها بعد، فعدم تفكك الحكومة على اثر استقالة ليبرمان، الذي بها يكون قد غامر بكل شيء، يعني أن بقاء الحكومة حتى تشرين الثاني القادم، تلاشي حزب «إسرائيل بيتنا»، وخروج ليبرمان من الحياة السياسية تماما، ما قد يدفع بعض أعضاء الحزب الخمسة في الكنيست إلى إعلان «الانشقاق» والانضمام إلى الائتلاف الحاكم.
أي أن نتنياهو سيحاول، كما فعل خلال العام الأول من تشكيل هذه الحكومة، إلى عدم النوم على حرير أغلبية عضو كنيست واحد، والى المراهنة على توسيع قاعدة الحكومة البرلمانية، لكن الأمر يبدو صعبا جدا، خاصة وان الانضمام لحكومة أمامها أربع سنوات غير الانضمام لحكومة أمامها عام واحد فقط.
لكن لما هو معروف عن النواب والقادة الإسرائيليين انتهازيتهم الشديدة، فقد يجد نتنياهو الذي بات محنكا سياسيا ويعرف تفاصيل الحياة السياسية الداخلية، ضالته لدى حزب ما أو كتلة برلمانية ما، أو حتى عضو أو عدة أعضاء من حزب أو من عدة أحزاب.
المهم أن نتنياهو قد مرّ من المنعطف ولو بشكل مؤقت، لكن الرجل الذي أسعفته خبرته في تجاوز أخطر حاجز سياسي داخلي واجهه منذ ثلاث سنوات، سيكون مستقبل حكومته مرهونا بما سيحدث على الأرض من تحديات، على الجبهات الثلاث: الداخلية حيث إن معارضة مستوطني الغلاف لسياسته ستتوقف على مستقبل تفاهمات الهدوء مع غزة، ثم الجبهة الفلسطينية، حيث ربما لا تكتفي غزة، بما تحقق، خاصة وأنها رفضت الوقف التام لمسيرة العودة، لذا فإن أي تصعيد سيعني عدم قدرته على الاستمرار في عدم شن حرب ساحقة ضد «حماس»، كذلك قد تنجح مصر في إحداث اختراق حاسم في ملف المصالحة، لمواجهة صفقة القرن على أقل تقدير، حينها سيزيد الضغط على الحكومة الإسرائيلية، من اجل تقديم التنازلات على طرفي الجبهة الفلسطينية وليس تجاه غزة فقط، ثم كيف سيرد على ما ستتضمنه صفقة ترامب من «تنازلات» يعلن عنها، من قبل الجانب الإسرائيلي.
وبعد كل ما قدمه البيت الأبيض والخارجية الأميركية، من الصعب على إدارة ترامب أن تتقبل نتنياهو كرافض لخطتها الشرق أوسطية، وإن حدث هذا، أي إن تضمنت الخطة تفكيكا حتى لبعض مستوطنات الضفة الغربية، أو إعلانا يرفضه «البيت اليهودي» لدولة فلسطينية ما في الضفة، أو تعديلا للموقف تجاه القدس، فإنه سيكون من الصعب على نتنياهو قبولها، وهكذا سيكون انهيار الحكومة حينه والذهاب إلى انتخابات مبكرة، وفي ظروف أسوأ على «الليكود»، أمرا لا مفر منه، فتكون بذلك غلطة الشاطر الذي هو ـــــ هنا ـــــ نتنياهو بألف غلطة من غلطات ليبرمان على سبيل المثال.
[email protected]
أضف تعليق