مر نحو ربع قرن على توقيع اتفاق أوسلو الذي كان من المقرر أن يأتي بالدولة الفلسطينية، وتفاءل الكثيرون في حينه بأن السلام أصبح قاب قوسين أو أدنى، وأن دولة فلسطين المستقلة على الأراضي المحتلة في العام 1967، ستكون دولة ذات سيادة وحدود، ديمقراطية وحرة ونموذجاً للدولة المدنية الحديثة، أو بعبارة أخرى ستكون «سنغافورة» المنطقة.
لكن «أوسلو» كان مجرد وثيقة لخطوط عريضة، كل بند فيها حمّال أوجه وتفسيرات متناقضة. بحيث أصبحنا محاصرين في معتقل هذا الاتفاق سياسياً واقتصادياً وثقافياً... ومع كل يوم يمر يضيق سجن أوسلو تدريجياً، وحلم الدولة المستقلة بالرؤية الفلسطينية يبتعد أكثر.
كان من المفترض باتفاقية أوسلو أن تنهي الصراع لكن إجراءات الاحتلال خلال العقدين الماضيين تسببت بتعميق الصراع، والأخطر من ذلك حشر الشعب الفلسطيني في زاويتين، الزاوية الأولى قطاع غزة، حيث يحاصر المواطنون في سجن كبير، لا أمل أن يعيشوا فيه بحرية أو حتى أن يتحركوا بحرية.
الزاوية الثانية هي الضفة الغربية المحتلة، المحاصرة، بشكل آخر، بالاستيطان السرطاني، والأوامر العسكرية، والإجراءات العقابية والحواجز والاعتقالات.
الشعب الفلسطيني تحمل الكثير من أجل حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، ولكن بعد طول انتظار وجدنا أنفسنا خلف الجدار الحديدي الذي تحدث عنه الأب الروحي لليمين الإسرائيلي جابوتينسكي، وفي مواجهة الدولة الغائبة عن أجندة الواقع، دون أن نسمع إلا تصريحات وبيانات تطير مع رياح السياسة المتغيرة.
رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو تحدث أمام المؤتمر العام للمنظمات اليهودية في شمال أميركا المنعقد في تل أبيب قبل ثلاثة أيام عندما قال: «قلت أكثر من 150 ألف مرة إن الأمن غرب نهر الأردن لن يكون إلا بيد إسرائيل ولن تكون هناك دولة فلسطينية بمعنى الكلمة بل دولة ناقصة أو حكم ذاتي زائد أو حتى حكم ذاتي زائد زائد، لا يهم التصنيف، سموا ذلك كما تشاؤون ولكن بالمعنى الحقيقي للدولة لن تكون».
وتابع: «لن نضيع مستقبل دولة إسرائيل على كف عفريت من أجل مقال إيجابي في صحيفة دولية». بل أكثر من ذلك قال نتنياهو إن المطاردة الساخنة في مناطق الضفة الغربية بما فيها المدن الفلسطينية ستستمر، ولا حصانة لأي منطقة يكون فيها خطر على دولة إسرائيل.
إذن، هذه هي حقيقة الموقف الإسرائيلي من الدولة الفلسطينية. قادة الاحتلال لا يريدون حل الدولتين، والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تشتري الوقت لتكريس الأمر الواقع، وهذا ما تحقق لها بشكل فعلي، فالاستيطان التهم حل الدولتين وحول الأراضي الفلسطينية إلى ما يشبه قطعة الجبن السويسرية، مجموعة كبيرة من الجزر، بل أكثر من ذلك أصبحت المستوطنات هي الأكبر من حيث عدد السكان في محافظات مثل سلفيت وقلقيلية وأريحا والأغوار.
حتى الحكم الذاتي الذي يتحدث عنه نتنياهو ليس أكثر من مجرد حكم بلديات لتقديم الخدمات للفلسطينيين مثل النظافة والصرف الصحي والتعليم والصحة. وهذه من المفروض أن تتحمل تكاليفه الدولة المحتلة.
واقعنا الفلسطيني صعب للغاية في ظل تطورات إقليمية ودولية لم تكن متوقعة بهذه العجالة. وحل الدولتين لم يعد واقعاً وإن تمسكت به دول كثيرة. وحل الدولة الواحدة مرفوض إسرائيلياً، وإن تم ذلك فهذا يعني دولة عنصرية متفوقة على جنوب إفريقيا قبل تحررها من الأبرتهايد.
تصريحات نتنياهو جاءت لتؤكد أننا بحاجة إلى إعادة تقييم أوضاعنا الداخلية والخارجية قبل أن يفرض علينا حل دولة الخدمات.
[email protected]
أضف تعليق