ربما بدا العنوان غريباً نوعاً ما، وربما تساءل البعض: ما علاقة القضية الفلسطينية بالصحافي السعودي جمال خاشقجي؟ الذي أصبح بين ليلة وضحاها الرقم الأول في الأخبار العالمية، والمؤثر تراجيدياً في السياسة الدولية، والبناء الأممي الذي تأسس عقب الحربين العالميتين بعد حصدهما عشرات الملايين من البشر، وقام على قاعدة حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير إلى آخر المنظومة الأخلاقية الأممية.
الصحافة العبرية بعكس الحكومة الإسرائيلية الصامتة تناولت قضية خاشقجي بكثير من التفصيل والآراء، آخرها على الأقل مقالان نشرا، أول من أمس، في صحيفة «هآرتس» تحت عنوان «لماذا اغتيال خاشجقي مصيبة لإسرائيل» بقلم الكاتب دان شيبرو، والثاني في صحيفة «إسرائيل اليوم» الأكثر انتشاراً بعنوان «الصعوبة الأميركية في الاستناد إلى السعودية» بقلم السياسي الإسرائيلي المخضرم يوسي بيلين.
لماذا الصحافة الإسرائيلية؟ لأن كل ما تناولته له علاقة مباشرة بالقضية الفلسطينية وأوضاع الشعب الفلسطيني، وبالضرورة فإن ما يكون سلبياً للإسرائيليين فهو إيجابي للفلسطينيين، كمعادلة سياسية بصرف النظر عن ماهية السلبي والموقف الفلسطيني منه. وحتى لا يفهم الأمر خطأ فلا بد من التأكيد أن الشعب الفلسطيني يعد من أكثر الشعوب حرصاً على حياة الإنسان، لأنه ذاق مرارة القتل والدم أكثر من باقي الشعوب في التاريخ الحديث.
يعتبر الكتّاب الإسرائيليون أن من اتخذ قرار «التخلص» من الصحافي خاشقجي ارتكب خطأً شديداً في حساباته، لأن هذه القضية أكبر مما يستطيع الأميركيون تحملها، فما رأيك بالعالم. والأهم أن من اتخذ القرار (فيما لو تأكدت عملية القتل والتمثيل بالجثة) اعتقد أنه سيفعل فعلته دون تحمل النتائج والتبعات. ولكن العكس هو الذي حصل، فالشعب الأميركي وممثلوه في الكونغرس (جمهوريون وديمقراطيون) تحركوا، فوجد الرئيس الأميركي وإدارته أنفسهم في زاوية ضيقة غير قادرين على توفير الغطاء لهذه القضية، على الرغم من تدخل صهر ترامب المستوطن غاريد كوشنير بكل ثقله لإقناع ترامب بالتخفيف من تصريحاته وتعليقاته. لكن ترامب المحاصر، أيضاً، مضطر إلى أن يسير مع تيار الكونغرس ولو بشكل بطيء.
هذا التغيير يعني أن هناك حلفاً تم بناؤه خلال السنة الماضية بدأت أساساته تنهار. وأن هذا الحلف الذي كانت إسرائيل تعتبر جزءاً أساسياً منه - القائم على بناء تحالف سني في المنطقة للوقوف في وجه إيران وتمددها في المنطقة - أدت التطورات المتلاحقة إلى تصدعه بشكل كبير. وهذا التطور سلبي بكل المقاييس لإسرائيل.
المشكلة السلبية الثانية لإسرائيل في هذه القضية كما يقول يوسي بيلين هي أن إدارة ترامب كانت تعتمد بشكل كبير في نشر خطتها للسلام أو ما اصطلح عليه «صفقة القرن» على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ولعلّ رقصة السيوف الشهيرة بين بن سلمان وكوشنير قد نسجت علاقات صداقة متينة بين الرجلين، واعتقد ترامب بعد ذلك أنه يمكنه الاعتماد بشكل كبير على هذه الصداقة، ولكن تبعات قضية خاشقجي، دمّرت أسس هذه الصداقة، إلى الدرجة التي دفعت ترامب المحاصر للتصريح للإعلام بأنه بالكاد يعرف بن سلمان.
وبناء على هذا التطور، فمن المتوقع أن تؤدي تداعياته إلى تأخير إضافي وربما طويل في إقدام إدارة ترامب على الإعلان عن خطتها للسلام، بل الأهم من ذلك هو سحب تعويلها على ولي العهد السعودي الذي سيواجه كثيراً من المشاكل وربما أكثر من ذلك خلال الأشهر المقبلة، في ظل التحولات المتوقعة في المملكة العربية السعودية.
إذن التأثير السلبي على إسرائيل واضح في أمرين أساسيين.
الأول، تصدع كبير وربما انهيار فيما يطلق عليه «الحلف السني» مع تزايد الضغوط العالمية، وهذا ليس من مصلحة إسرائيل التي كانت ترغب في إنهاء كامل للدور الإيراني في المنطقة.
الثاني، تباطؤ وربما انهيار الحراك السياسي الذي يقوده ثلاثي الاستيطان والتوسع وإنهاء القضية الفلسطينية المكون من غاريد كوشنير وجيسون غرينبلات والسفير الأميركي في إسرائيل دافيد فريدمان.
ربما أتت مأساة خاشقجي بأمور إيجابية وإن كانت ليس بشكل مباشر على القضية الفلسطينية.
كما أن هناك تطوراً آخر ستتأثر به القضية الفلسطينية إيجابياً وهو ما ورد في تقرير نقلته وكالة «رويترز» أمس من أن الملك السعودي سلمان يؤكد سلطته من جديد، وأن تحول مأساة خاشقجي إلى قضية عالمية وعدم قدرة ولي العهد ومستشاريه على حلها، دفعت الملك إلى التدخل بقوة، حتى التهديدات السابقة برد فعل سعودي قوي، اختفت بعد تدخل الملك مباشرة.
ما يهم القضية الفلسطينية في هذا الشأن أن ثلاثة مصادر مطلعة على الشؤون الملكية السعودية أكدت لـ»رويترز» أن الملك تدخل بشكل قوي مرتين: الأولى، قبل أسابيع لإرجاء تنفيذ خطة الطرح العام الأول لشركة أرامكو السعودية وهي الخطة التي رسمها ولي العهد وتعد حجر الزاوية في إصلاحاته الاقتصادية. والتدخل الثاني، عندما أعطى ولي العهد انطباعات العام الماضي بأن الرياض ستقبل خطة ترامب غير واضحة المعالم بما في ذلك الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، حينها خرج الملك سلمان ليصحح الأمر بشكل شخصي وعلني مؤكداً التزام الرياض بالهوية العربية الإسلامية للقدس. بل أكثر من ذلك فإن مصادر ذكرت قولاً مهماً للملك سلمان: «لن أقبل أن يقال في عهدي أنني قبلت بسيطرة الاحتلال على القدس».
إذن هذه بالمختصر التأثيرات على القضية الفلسطينية، ربما تكون إيجابية على الرغم من حجم المأساة غير المحتملة للصحافي خاشقجي.
[email protected]
أضف تعليق