مسيرات العودة على تخوم خطوط التماس في غزة مع الاحتلال تقترب من أسبوعها الثلاثين، تظاهرات سلمية ومحاولات لاختراق الخطوط الدفاعية لقوات الاحتلال، تحذير إسرائيلي من أن هذه المحاولات تهدف لأسر جنود إسرائيليين، الطائرات والبالونات الورقية الحارقة باتت تشكل هاجساً وخطراً على مستوطني قطاع غزة، المسيرات تتطور من خلال خلق مناطق اشتباكات جديدة في الزمان والمكان، أيام مختلفة طوال الأسبوع إضافة إلى وحدات الإرباك الليلي، ذلك كله بالتوازي مع تشييع أعداد متزايدة من الشهداء، وسقوط أعداد كبيرة من الجرحى وخاصة من خلال استهداف الأرجل والسيقان للشباب والأطفال من ناحية، واستهداف نقاط العيادات الطبية المتنقلة والأطقم الطبية، والطواقم الإعلامية والصحافية.
كل ذلك يجري مع تسريبات صحافية وإعلامية عن قرب التوصل إلى تهدئة بين إسرائيل وحركة حماس. مصادر من الحركة قالت لصحيفة "العربي الجديد" الصادرة في لندن إن غزة على مشارف اتفاق تهدئة غير مكتوب بضمانات إقليمية تتقدمها مصر وتركيا، إلاّ ان التوصل إلى مثل هذه التهدئة ما زال متعذراً على ضوء موقف السلطة الوطنية الفلسطينية.
قطاع غزة من خلال المسيرات السلمية، يستولي على عناوين وسائل الإعلام المختلفة، ويحظى باهتمام وتغطية واسعة، على النطاق المحلي والإقليمي والدولي، وأعادت المسيرات اهتمام الرأي العام بالقضية الفلسطينية. سخونة ما يجري على الأرض وعلى تخوم خطوط التماس مع الاحتلال كانت وراء هذا الاهتمام وهذه التغطيات.. ولكن ماذا بشأن الضفة الغربية؟
وفقاً لصحيفة "هآرتس"، فإن تقييمات الجيش الإسرائيلي تشير إلى عدم وجود أي مبرر لمواجهة واسعة أو حرب قادمة مع قطاع غزة، وأن إسرائيل، رغم كل ما يجري هناك قادرة على احتواء الاستهدافات والتعايش معها والتعامل مع تداعياتها من دون التوجه إلى حرب جديدة، لأن المعركة الحقيقية، الحرب الأساسية تجري بالفعل في الضفة الغربية، فقد أرسل الجيش الإسرائيلي المزيد من العدة والعتاد إلى الحدود مع القطاع دون أي تأثير على مستوى الاحتكاكات والاشتباكات، خاصة وأن الجيش الإسرائيلي، حسب "هآرتس"، يعمد رغم كل الحشودات العسكرية من قبله إلى عدم توسيع نطاق الرد العسكري القاسي حسب تعبير الصحيفة، ذلك ان اسرائيل ليست بوارد الاقدام على توسيع التصعيد والتدحرج نحو حرب رابعة، خاصة على مستوى تدخلات قطرية ودولية ومصرية من أجل التوصل إلى تهدئة مع حركة حماس.
الإعلام الإسرائيلي متهم بأنه يشجع التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة خلافاً لرأي الجيش من خلال التغطية الواسعة والصور والأفلام التي تنشر حول تداعيات مسيرات العودة، لذلك فإن الجيش الإسرائيلي أوعز بتحديد خطوط التغطية الصحافية والإعلامية لما يجري على تخوم الحدود مع قطاع غزة والتقيد بما ينشره الجيش من بيانات فقط، في حين أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أشارت إلى نجاح حركة حماس والنشطاء الفلسطينيين في إبراز تداعيات ونتائج مسيرات العودة على تخوم القطاع وغلافه الاستيطاني بالصوت والصورة، حيث تقوم وسائل الإعلام الإسرائيلية بإعادة بثها من جديد، دون إدراك لتأثير ذلك على قرار تحديد مستوى التصعيد المدروس وفقاً للأهداف الأمنية والسياسية.
كل ذلك، يشير إلى أن الحرب الحقيقية تجري ضد قطاع غزة وحركة حماس، مع أن الحرب الحقيقية تجري، لكن بهدوء في الضفة الغربية، وهناك العديد من الشواهد كان آخرها عملية "بركان" التي اسفرت عن مقتل مستوطنَين، الأمر الذي من شأنه أن يوسع نطاق الانتفاضة الفلسطينية الثالثة في اطار موجة جديدة من المواجهات، ما يستدعي استعدادات إسرائيلية لمواجهة هذه التداعيات من مضاعفة الحراسات على المستوطنات، وربما توقف التنسيق الأمني، والدفع بعدد أكبر من الجنود إلى الحواجز وداخل المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.
الحرب الحقيقية، و"الهادئة" تجري فعلاً في الضفة الغربية، أعداد متزايدة من العمليات ضد الاستيطان والمستوطنين أدت إلى مزيد من القتلى في صفوفهم، حملات اعتقالات يومية واسعة طالت الأفراد والعائلات الفلسطينية، وعلى عكس قطاع غزة، حيث تجري الاحتكاكات بالتوازي مع جهود إقليمية ودولية للتوصل إلى تهدئة مع حركة حماس، فإن الأمر في الضفة الغربية مرتبط بانسداد الأفق السياسي على ضوء ما يقال عن صفقة القرن وترجماتها على الأرض.
الحديث عن انفجار قادم في الضفة الغربية آخذ في التصاعد لدى المستوى الأمني والسياسي كما في وسائل الإعلام الإسرائيلية، رغم التغطية الهادئة لما يجري هناك، قياساً بالتغطية الساخنة لما يجري في قطاع غزة، إلاّ أن عنوان الحرب المستمرة والقادمة في الضفة الغربية سيظل مرتبطاً بالعملية الاستيطانية، وهي جوهر الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والأبعاد الأخرى لهذه الحرب هي مجرد متفرعات عن هذه الحرب وتفاصيل لتحسين ميزان القوى بالدرجة الأساسية.
[email protected]
أضف تعليق