بين الهدوء والانزلاق إلى حرب جديدة في قطاع غزة خيط رفيع، يحاول الكل السير عليه بحذر، دون أي رغبة في تصعيد جديد، إلا أن ما يحصل على أرض الواقع قد يغير هذه المعادلة بشكل فجائي.
الإعلام العبري في حديثه عن مسيرات العودة، يشير إلى أن هناك ثلاثة مواقف إسرائيلية منها، الأول موقف اليمين الإسرائيلي الذي يقوده المستوطنون والأحزاب الحاكمة وينادي بمزيد من القمع والقتل والدماء. والثاني، موقف اليسار الإسرائيلي أو ما تبقى من هذا اليسار وبعض المنظمات الحقوقية التي تحاول حكومة نتنياهو تحجيمها، ويطالب هذا اليسار قوات الاحتلال برفع اليد عن الزناد قليلاً، لأن هناك كثيراً من القتلى من الأطفال والمتظاهرين السلميين الذين يشاركون في المسيرات بأيد فارغة، ولا بد من تحمل القادة مسؤولياتهم. والثالث، موقف قادة جيش الاحتلال وبشكل خاص القادة الميدانيين على حدود غزة الذين يحاولون حسب الإعلام العبري تقدير الموقف الآني فيطلقون النار بعدما تبدأ المواجهات بالتحول إلى محاولات لاجتياز الحدود، أو ما تسميه قوات الاحتلال خطراً على جنودها.
وفي الوقت الذي تزعم فيه وسائل الإعلام العبرية بأن قناصة الاحتلال ليست لديهم القدرة على التمييز في كثير من الأحيان بسبب كثافة الدخان الناتج عن إحراق الإطارات، مشيرة إلى أن الرصاص يطلق بشكل عشوائي وهذا أحد الأسباب في ارتفاع عدد الشهداء والجرحى، علماً أن الإصابات في كثير من الأحيان تؤدي إلى الإعاقة الدائمة.
عندما انطلقت مخيمات العودة كانت تقديرات الجميع أنها مسألة مؤقتة، وأنها وليدة ظرف سياسي بدأ مع قرارات ترامب الجائرة بحق الشعب الفلسطيني إضافة إلى محاولة رفع الحصار عن القطاع أو تخفيفه. لكن هذه المخيمات أصبحت جزءاً من الحياة اليومية في قطاع غزة...
ربما كان الخطأ في انطلاقة مسيرات العودة أنها تركزت في خمسة مخيمات بدلاً من خمسة وعشرين مخيماً كما كان مخططاً لها منذ البداية.
قادة الاحتلال وخاصة أقطاب الحكومة الإسرائيلية - بدءاً من بنيامين نتنياهو وليس انتهاء بوزير الجيش أفيغدور ليبرمان ووزراء الأحزاب المتطرفة الذين يرفعون راية التصعيد كلامياً من أجل الإبقاء على قوتهم السياسية والحزبية داخل المجتمع الإسرائيلي المنحرف نحو اليمين واليمين المتطرف - يرغبون بالتهدئة وعدم الذهاب إلى حرب جديدة لأنها ستكون باهظة الثمن، حسب التقديرات الإسرائيلية أيضاً.
في الجانب الفلسطيني، فإن حركة حماس، الحاكم الفعلي للقطاع، معنية أكثر بالهدوء بمعنى عدم التصعيد العسكري، ولكن في الوقت نفسه الإبقاء على التظاهرات في مخيمات العودة، ومواصلة المناوشات مع قوات الاحتلال ليل نهار كأداة ضغط من أجل إجبار الاحتلال على التفاوض حول التهدئة ورفع الحصار ليكون مقبولاً بالحد الأدنى للحركة، وهذا ما أكده رئيس الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار في لقاءاته الصحافية مؤخراً.
لكن الخيط الرفيع بين استقرار الوضع على ما هو عليه أو الانزلاق إلى الحرب قد لا يحتاج لأكثر من دقيقة واحدة، فعلى سبيل المثال: ماذا لو تم خطف جندي إسرائيلي خلال المواجهات الأسبوعية؟ كيف ستتصرف إسرائيل وماذا ستكون ردود الفعل؟ وهل سيكون مثل هذا الحادث مبرراً لاستخدام خطة «هنيبعل» الإسرائيلية أي قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين وقتل الجندي المختطف، كما حصل في الحرب الأخيرة على قطاع غزة عندما تمكنت القسام من خطف جندي في رفح، فتعرضت المنطقة لنار جهنمية من الجو والبر والبحر بكل أنواع الصواريخ والقذائف.
في الجانب الآخر، ماذا لو تسبب جندي إسرائيلي أو مجموعة من الجنود بمجزرة جديدة بين المتظاهرين، هل «ستبلع» الفصائل مثل هذه المجزرة؟ وهل سيقبل المواطنون بالتهدئة؟ إذا هو الخط الرفيع الخطير جداً.
المطلوب أمام هذا الواقع الفريد لقطاع غزة استراتيجية وطنية قائمة على مصلحة الشعب الفلسطيني لا تحطيم الرؤوس بين رام الله وغزة، لأن الوضع خطير وأقرب إلى الجمر المتقد تحت طبقة رقيقة من رماد التهدئة.
[email protected]
أضف تعليق