التخلّف الرجعيّة والهمجيّة، عباراتٌ بتنا نسمعها كثيرًا في الإعلام وكأنّه يُراد لهذه الكلمات أن تُلازم الجو العام لمجتمعنا، ولا أظنّ أننا نجانبُ الصواب إذا ما قلنا أنّها تسوّقُ كأنّها التشخيص لحالةٍ مرضيّة يعاني منها الداخل الفلسطيني، خالقةً جوّا عامَّا من اليأس والاحباط، وإذا ما وضعنا هذا التوجّه في سياقه من الأحداث والمستجدات لوجدنا أنّ ما نراهُ تغطيةً اعلاميّة هو في الحقيقة سياسة إعلاميّة بل قل معركة اعلاميّة دورنا فيها أن نفوّت الفرصة على من يريد أن يُبرزَ ما يطمعُ هو في إبرازه بغيةَ وضعِ هويتنا الإسلاميّة والعربيّة والفلسطينيّة الأصيلة تحت سكّين الإتهام، مصورًا إيّاها كحجر عثرة أمام "التقدّم والتطوّر" وأنّ التمسّك بالهويّة السليمة والثوابت ورفض أبوابٍ فُتحت لنا، لم يجلب لنا سوى الخراب والمزيد من العنف.
فما هو دورنا؟ أن نرد على الإعلام الهابط بالإعلام الواعي وأن نوظّفَ كلماتنا ومنشوراتنا من أجل خلقِ جوٍّ عامٍ خصبٍ للمبادرات، رافعٍ للهمم، مشجّعٍ للطيّبِ من النشاطات، لأنّ أخطر من الهزيمةِ نفسها هو القابليّة للهزيمة، وهي هزيمة من داخل المجتمع لا من خارجه، نملك نحن أدوات تفاديها بنشرِ روح الايجابيّة بمسؤوليّة ومهنيّة.
عزيزي القارئ، كثيرةٌ هي الجوانب الإيجابيّة في مجتمعنا، من تكافل إجتماعي الى المحافظة على حسن الجوار ومشاركة الناس بعضهم البعض الأفراح والأتراح وتواصل وترابط إجتماعي، إمتلاك قامات علميّة عربيّة ،وجود مبادرات طلابيّة واعدة، مبادرات شبابيّة فرديّة وجماعيّة في شتّى البلدان، بل إنّ حتّى حالة الغضب الشعبي اتجاه الوسائل المستعملة لبعض القوى الموجودة على الساحة في إدارة الأزمات تُحسب كنقطة ايجابيّة لمجتمع واعٍ يفكّر وينتقد ويسعى للأفضل، وغيرها الكثير. لكن الأهمّ من ذلك أن نعي أن كلّ هذه المظاهر هي ثمارٌ لبذور مزروعة في مجتمعنا، أصلها ثقافتنا وهويتنا الإسلاميّة والعربيّة والفلسطينية الأصيلة، علينا أن نرويها ونصونها ونسوّقها لأبنائنا كحجر بناء لا حجر عثرة كما يُراد لها أن تسوّق.
لكن في المقابل، أليست أحداثُ العنفِ في ازدياد؟ ألم تبرز مظاهرُ التفكك المجتمعيّ؟ ألسنا أمام حالة من العجز السياسيّ؟ أليس من السذاجة أن نتجاهل هذا كلّه؟، وهنا علينا أن نفرّق بين من ينظرُ إلى سوءات الواقع نظرة الساعي لتشخيص المشكلة لأجل النظر في الحلول والنهوض، وبين من ينظر إليها لأجل نشر اليأس ومبررّات القعود، إنّ هذه المشكلات يجب أن توضع في مسارٍ للتشخيص العلميّ يتلوها عملٌ مهنيّ وهو ميدان مهم بحاجة إلى مبادرات أكثر من الموجودة حالياً، وأن يكون النقاش حولها نقاش بحثٍ عن حلول لا نقاش لوم وتذمّر لا يحلّ مشكلة ولا يرفع مظلمة.
فتعالوا بنا نمكّن في كتاباتنا ونقاشاتنا لجوٍّ من التفاؤل والأمل والوعي المجتمعيّ ولنستيقن أنّ الخير كلّ الخير في نشر التفاؤل والايجابيّة،
ولنرو تلك البذور.
[email protected]
أضف تعليق