مع نهاية هذا الأسبوع تكون الخطابات الدولية قد انتهت في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة للعام الجاري، في انتظار شهر أيلول المقبل في العام 2019، فقد تحدث معجزة في هذا العالم الذي يميل إلى نظام فوضوي بتسارع لم يُشهد له مثيل خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين كما أكد أمين عام الأمم المتحدة.
فلسطين لم تسلم أيضاً من النظام الفوضوي، سواء على المستوى الخارجي أو المستوى الداخلي.. وهل أكثر من فوضوية الانقسام، والنتائج الكارثية التي خلفها خلال العقد الأخير!.
فوضوية الانقسام تمثلت في مجموعة من المظاهر السياسية والاقتصادية والإعلامية وغيرها. هذه المظاهر التي تتصاعد حدتها في فترة ما أو تميل إلى الاستكانة والهدوء في فترة أخرى. ولكن هناك منحنى تصاعدياً خطيراً إن لم يتم تداركه بسرعة سيكون كارثياً على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
من المظاهر الفوضوية الداخلية يمكن ملاحظة الحرب الإعلامية الطاحنة بين وسائل الإعلام الحزبية وغيرها والتي وصلت إلى حد التخوين والترهيب والتحذير، حتى أن المطلع على مضمون هذا الإعلام لا يجد إلاّ خراباً قادماً، في ظل محاولة كل طرف تشكيل رأي عام وتعبئة كاملة لعناصره ومؤيديه في محاولة لإنهاء الطرف الآخر. هي حرب قبلية ولكن أكثر مأساوية لأن هذه القبائل لا تتقاتل إعلامياً على الكلأ والماء أو الأرض، لأن هذه العناصر الثلاثة هي مغتصبة لسلطة الاحتلال.
أما الشكل الثاني من المظاهر الفوضوية فهو سياسي يقوم على قاعدة الاعتقال والاحتجاز والمماحكات، رغم أن الضفة والقطاع يتهم بعضهما بعضا بممارسة القمع السياسي. فتح تقول: إن حركة حماس تعتقل العشرات من كوادرها وتنكّل بهم وتعذبهم. فيما تنفي حماس هذا وترد بأنه غير صحيح ولا يوجد اعتقالات سياسية بل أمنية؟! دون أن ندري عن أي أمن تتحدث سلطة الأمر الواقع هناك. وبالمقابل فإن حماس تدعي أن العشرات من كوادرها تم اعتقالهم في الضفة بينهم أسرى محررون، وهناك تضيق كبير على كل من له علاقة بالحركة.. السلطة وفتح تردان أن هذه تُرّهات ولا أساس لها من الصحة وأنه لا اعتقال سياسيا في الضفة، والاعتقالات إمّا لأسباب أمنية أو إجرامية! الحقيقة يعرفها كثير من المواطنين والمنظمات الحقوقية والإنسانية.
الأخطر هي الفوضى الاقتصادية. قطاع غزة غارق حتى الرمق الأخير في وضع اقتصادي ومالي كارثي.. والأسابيع والأشهر القادمة تنذر بكارثة إنسانية لم تشهدها فلسطين منذ القرن الثامن عشر.
وممّا لا شكّ فيه أن تقرير البنك الدولي قبل أيام يؤكد خطورة الأوضاع الاقتصادية والمالية. في ظل حصار إسرائيلي أصبح واقعاً طويلاً وليس استثناء لفترة محددة.
المهم في هذا الوضع الاقتصادي هو قرارات السلطة الوطنية التي بدأت قبل أشهر بخصم جزء من رواتب الموظفين محملة حركة حماس المسؤولية عن ذلك على أساس من يحكم يدفع! جزء من قرارات السلطة جاء على أساس أنه لا يمكن لحماس الاستفادة من أموال السلطة والاستمرار في حكم قطاع غزة، وإدارة الانقسام، دون الحاجة إلى إنهائه.
الرئيس حذر قبل أشهر بتصعيد الإجراءات الاقتصادية ضد حركة حماس، أو بمعنى آخر إذا لم يكن هناك مصالحة حقيقية حسب الاتفاقات السابقة، وأن يكون التنفيذ فعلياً وليس شكلياً، فلا حاجة لتحويل الأموال أو للدفع.. حتى للكهرباء والماء، وعلى حماس السلطة الحاكمة تحمل مسؤولياتها.
الأسوأ أنه كلما تفاءل المواطنون بقرب المصالحة، تكون الاتفاقات مجرد سراب ووهم، وحركة حماس عقّدت الأمور عندما ذهبت إلى محور التفاهمات مع الإسرائيليين للقبول بتهدئة طويلة الأمد مقابل فك الحصار وإيجاد ممر للخارج. وبدأت الأمور تقترب إعلامياً وكأن الاتفاق قاب قوسين أو أدنى. في هذه الفترة تم ملاحظة أنها تخلت تماماً عن المصالحة أو عن تنفيذ التفاهمات مع السلطة، وعلى رأسها تمكين الحكومة.
حماس وكوادرها تفاءلوا أن الحل اقترب والحصار إلى زوال ولكن ما يحدث على أرض الواقع هو العكس.
الرئيس لم يعد قادراً على الصبر. قبل أشهر حذّر، ولكن كانت هناك مجموعة من الضغوط الداخلية، ولكنه يبدو هذه المرة مصرّاً على الذهاب إلى طلاق بائن مع حركة حماس. ما يعني خنقها اقتصادياً ومالياً، على قاعدة لا حكم لحماس دون ثمن.
الطلاق مع غزة إذا ما تم فإنه يعني حالة فوضوية مطلقة في قطاع غزة. ربما تقوم حركة حماس باستخدام القبضة الحديدية ضد أي تحرك أو مظهر يؤدي إلى زعزعة أركان حكمها، وبالتالي سيجبر المواطن في قطاع غزة على التحمل والقبول بالعيش في عصور وسطى في القرن الواحد والعشرين.
الطلاق البائن مع غزة يعني ضربة حقيقية أيضاً للقضية الفلسطينية التي ستشهد مزيداً من الضعف على الساحتين الإقليمية والدولية، ويعطي لإسرائيل فرصة أخرى لاستكمال مخططها التهويدي والاستيطاني. في المقابل فإن بوادر حرب رابعة ممكنة في قطاع غزة عندما يصل الناس إلى اليأس كما تتحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية وأجهزة الأمن في جيش الاحتلال.
الطلاق لا يقع إلاّ عندما تنتهي كل الإمكانية للإصلاح أو التقريب.. فهل من فرصة ولو في اللحظة الأخيرة يمكن استغلالها كي لا يقع الطلاق البائن بين الضفة الغربية وقطاع غزة؟ خاصة وأنه من المعروف أن الرئيس محمود عباس إذا حذّر فعل، ولن تثنيه أي قوة عن ذلك.
[email protected]
أضف تعليق