بقلم:حسني عايش
قبل مجيء التلفون الخلوي/ الذّكي الذي صار يحمله الواحد منا طيلة الليل والنهار، وسبعة أيام في الأسبوع وهكذا، كان الهاتف ثابتاً وكان انتشاره محدوداً، وكان يمكن تجنب الرد على المتصل بحجج شتى، وكان المتصل يجد عذراً أو يبلعها ويمضي، وبخاصة أن الهاتف في تلك الأيام كان أحياناً مصدراً للإزعاج. ولذلك كان بعض الناس وبخاصة الشخصيات العامة والمشهورة تخفي أرقام هواتفها تجنباً للإزعاج.
أما اليوم -وبعد اقتناء كل واحد منا الهاتف الخلوي/ الذّكي الجاهز طيلـة القوت- فلم يعد لنا عذر في عدم الرد على أي متصل لأن رقمه أو اسمه يظهر على الشاشة. وحتى لو كان المرء مشغولاً بمكالمة أخرى، أو كان الهاتف بعيداً عنك لأنك في الحمام... أو كان هاتفك مغلقاً، فإن آداب الهاتف تقضي بالرد على المتصل فيما بعد والاعتذار له. تلكم إحدى أدبيات أو أخلاق الهاتف الجديد، وعلى كل من لا يقبلها التخلي عن هذا الهاتف، أو الحرص الشديد على عدم معرفة غير الخاصة التي يريد، رقم هاتفه، أو تغييره بين الحين والآخر. تلكم إحدى تبعات التقدم التكنولوجي التي نلهث للتحلي به.
لكن المسؤول العام والشخصية العامة أو المشهورة ومن يعتقد أنه كذلك ملزمون أدبياً بالرد. لأن كلاً منهم يتمتع بمزايا مادية أو معنوية كثيرة بهذه الصفة أو تلك، نابعة من سلطته الإدارية أو الأدبية. كما قد يكون الرد في صالحه أكثر مما هو في صالح المتصل/المواطن، وإلا كانت الخسارة كبيرة في الاحترام، وبالشك في صدق ومصداقية الشخصية العامة، أو المشهورة أو المسؤول، والجزم بعجرفتها وتعاليها على الناس، وكان صاحبها ليس شخصية عامة أو مشهورة أو خادما مدنيا، وإنما شخصية متسيدة على الناس. إن على الشخصية العامة أو المشهورة أو المسؤول ضريبة أو ثمناً يجب عليها دفعه مقابل ما اكتسبته من المجتمع "بالعامة" أو الشهرة أو المسؤولية. إن الرد يزيد من مكاسبها ومزاياها، وإلا حلّت الكراهية وربما العداء وتشويه السمعة محلها.
إذا كانت هذه الآداب مطلوبة من الشخصية العامة أو المشهورة أو المسؤولة فإنها مطلوبة أيضاً من كل من يحمل تلفوناً خلوياً، ويجب أن لا يستخدمه أحد للسب والشتم أو للاتهام العاري عن الدليل أو الصحة عبر منصات وسائط التواصل الاجتماعي التي تتيح ذلك.
************
بقيت أبحث عن عوامل تأييد الإنجليين الأصوليين المسيحيين في أميركا لترامب حتى عثرت عليها. حسب مبادئ الإنجليين وقيمهم المعلنة وتزمتهم الديني الشديد، كان من المفروض أو المتوقع رفضهم لترامب: مرشحاً ورئيساً لما لصقت به من فضائح أخلاقية وجنسية ومالية وما تزال، ولكنهم كانوا وما يزالون أشد المؤيدين له، وقاعدته الانتخابية القوية. لماذا؟ لأنه يعين القضاة المحافظين، ولأنه يسمح لكيانات دينية بالامتناع عن خدمة المثليين، ولأنه ضد ضبط النسل أو الإجهاض، ولأنه ضد نظرية التطور، ولأنه نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
لقد صوت له 87 % منهم. أما الباقون ومعظمهم من السود فيعترضون عليه ويقولون: هذا لا يليق بالمسيح المنقذ. أما هم فيعتبرون ترامب بمثابة رئيس لهم لدرجة أن شعارهم لدعمه كان المسيح من أجل الرئيس.
[email protected]
أضف تعليق