في أول رد فعل على إسقاط الطائرة الروسية في مياه المتوسط في سورية، قال الرئيس الروسي، إن سلسلة ظروف عرضية مأساوية تسببت في الحادثة، نافياً ضمناً تحميل إسرائيل مسؤولية هذا الحادث، مستبعداً أية مقاربة مع إسقاط مقاتلة روسية من قبل الجيش التركي على الحدود السورية عام 2015، إلاّ أن الرئيس الروسي عاد ليقول، فيما بعد، إنه صادق على البيان الذي نشرته وزارة الدفاع ويحمل إسرائيل مسؤولية تحطم الطائرة الروسية بسبب غاراتها "العدائية" وأن موسكو ستتخذ التدابير اللازمة لحماية قواتها على الأراضي والمياه السورية!
بين بيان بوتين الأول، ومصادقته على بيان وزارة دفاعه، ساعات تخللتها ردود فعل غاضبة في روسيا، وهي معلنة من خلال بيانات وإجراءات وزارتي الخارجية والدفاع، وإعلامية من خلال صفحات الرأي وبرامج تليفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي في روسيا، كانت باعتقادنا سبباً أساسياً في المصادقة بعد النفي الضمني لتحميل إسرائيل مسؤولية الحادث، من قبل الرئيس الروسي.
وبدأت ضجة كبيرة حول إجراءات روسيا كرد فعل على مسؤولية إسرائيل، من بينها وأهمها تزويد سلاح الجو السوري منظومة صواريخ "إس – 300" خلال أسبوعين ونشرها على كافة الحدود السورية باستثناء الحدود مع تركيا، ما يعني أن بإمكان هذه الصواريخ التصدي لـ 144 طائرة على كافة الحدود في وقت واحد إذا لزم الأمر، كما ستنقل روسيا إلى سورية وحدات حرب الكترونية مشوشة للرادارات، وفي اطار هذه الضجة حول إجراءات روسيا، تم تحميل الأمر مبالغة كانت مطلوبة من قبل موسكو. بعض المحللين الإسرائيليين تساءلوا فيما إذا كانت حادثة إسقاط الطائرة ستسقط نتنياهو، في حين أن بعضهم اعتبر الحادثة ورد الفعل الروسي، خسارة استراتيجية لإسرائيل!
حسب وزارة الدفاع الروسية، كانت موسكو قد تخلت منذ خمس سنوات عن تسليم منظومة "إس – 300" الصاروخية لسورية بطلب من إسرائيل، لكن "الوضع قد تغير اليوم وهذا ليس ذنبنا".
استمعنا وشاهدنا، خلال الأيام التي تلت الحادثة، إلى محللين وخبراء في السلاح والأمن، هناك من أشار إلى أن لدى منظومة "إس – 300" عدة أنواع مختلفة القدرة والأداء والمدى، وهي على أي حال أفضل من "إس – 200" لكن وللتذكير، كان الرئيس حافظ الأسد، قد طالب بالحصول على هذه المنظومة لدى زيارته لموسكو عام 1987 واجتماعه مع رئيس الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، منذ ذلك الوقت، جرت تحديثات عديدة على النظام، ولا يعرف أحد أي مستوى من هذا النظام ستمد موسكو دمشق به!
من خلال الفيديو والانفوغرافيك الذي عرضته وزارة الدفاع الروسية حول الحادثة، تتبين قدرة نظام "إس – 400" على تحديد كل مساحة المشهد الجوي: سرعة الطائرات المستخدمة في الحادثة، بعدها، نوعها، والأهم أن هذه المنظومة كانت مبرمجة بحيث تفصح عن هوية ونوع الطائرة، وظهرت الطائرات الإسرائيلية باعتبارها "طائرات صديقة"، هل من المستبعد أن تبرمج أنظمة "إس – 300" التي ستزود بها سورية، بهذه الطريقة، وبحيث لا تهدد عملياً، الطائرات الإسرائيلية، باعتبارها طائرات صديقة.
من المؤكد أن مساحة الثقة بين موسكو وتل أبيب قد اختلت، ولكن ليس بالقدر الذي ينسف هذه المساحة، فالعلاقات الاستراتيجية بينهما، لن تؤثر عليها سقوط طائرة، والزمن كفيل بإزاحة هذا الملف، وأن إجراءات حفظ ماء الوجه ستتبدد والإبقاء على رد فعل بوتين الأول، كتعبير حقيقي عن طبيعة هذه العلاقة!
[email protected]
أضف تعليق