"تتفق حكومة إسرائيل والفريق الفلسطيني، ممثل الشعب الفلسطيني، على أنه آن الأوان لوضع حد لعقود من المواجهات والصراع، والاعتراف المتبادل بحقوقهما السياسية والشرعية لتحقيق تعايش سلمي وكرامة وأمن متبادلين والوصول إلى تسوية سلمية عادلة وشاملة ودائمة ومصالحة تاريخية من خلال العملية السياسية المتفق عليها...".
هذه ديباجة إعلان المبادئ بين منظمة التحرير وإسرائيل قبل 25 عاماً، ولكن إذا ما تفحصنا بعد عقدين ونصف هذه الديباجة فسنجد أن سلطات الاحتلال اغتالت عمداً وعن سابق إصرار كل مفهوم سياسي فيها.
إسرائيل لم تضع حداً للمواجهات والصراع، بل أججت هذا الصراع من خلال سياسة الأمر الواقع المبنية على هيمنة القوة العسكرية والسيطرة على الأرض الفلسطينية ما تحتها وما فوقها، دون رادع سوى مجموعة من بيانات التنديد والاستنكار أو التهديد الناعم من جزء من الدول الأوروبية وفي مرات معدودة من الولايات المتحدة، كما حصل في نهاية الفترة الرئاسية للرئيس الأميركي باراك أوباما، لكن هذا المشهد سرعان ما انقلب وانحاز إلى جانب العدوان الإسرائيلي انحيازاً تاماً.
البند الأول في اتفاق أوسلو كان يتحدث عن أن الهدف من المفاوضات بعد تشكيل السلطة الفلسطينية وانتخاب المجلس التشريعي في الضفة وغزة، هو الانتهاء من المرحلة الانتقالية التي حددت بخمس سنوات للوصول إلى تسوية نهائية مبنية على أساس قراري مجلس الأمن رقم 242 و338، ما يعني إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة في العام 1967 بما فيها القدس.
25 سنة مرت، عُقدت خلالها عشرات آلاف الساعات التفاوضية، لكن النتيجة هي ما نراه اليوم، سيطرة إسرائيلية شبه كاملة على الضفة الغربية حتى المناطق "أ" التي صنفت ضمن الاتفاق أنها تقع تحت السيطرة الأمنية والمدنية الفلسطينية، لكن قوات الاحتلال هي التي تسيطر حقيقةً على الأمن فيها. ولا عجب أن نشاهد الدوريات العسكرية الإسرائيلية تدخل ليل نهار المدن الفلسطينية حتى قرب مقر المقاطعة في رام الله.
سلطات الاحتلال ضاعفت عدد المستوطنين، بحيث زاد عددهم حسب إحصاءات رسمية إسرائيلية بـنسبة 400% عما كان عليه الوضع في العام 1994، بل إن هناك أرقاماً تؤكد أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس المحتلة وصل إلى ما يقارب 850 ألف مستوطن، أي نحو 25% من عدد السكان.
الاتفاق تحدث عن الضفة الغربية وقطاع غزة كوحدة جغرافية واحدة، فقد جاء في البند الرابع بعنوان "الولاية" "ينظر الطرفان إلى الضفة الغربية وقطاع غزة كوحدة جغرافية واحدة سيحافظ على وحدتها خلال الفترة الانتقالية". ولكن بعد 25 عاماً تم فصل الضفة الغربية بشكل كامل عن قطاع غزة، بعد أن انسحبت منه قوات الاحتلال بشكل أحادي ولكنها أبقته تحت سيطرتها بشكل كامل فلا ماء ولا غذاء ولا حركة إلاّ بإذن سلطات الاحتلال.
وفي العام 2006 وقع الانقلاب وسيطرت حماس على القطاع وظلت الضفة تحت سيطرة السلطة، وأصبحتا كيانين شبه منفصلين من حيث الإدارة الفعلية. وما زال الانقسام سيد الموقف، طبعاً وهذا كله كان بموافقة إسرائيلية ضمنية، لأنه لو تم الانسحاب كما جاء في اتفاق أوسلو لما وصل الوضع إلى ما هو عليه.
في الضفة الغربية الوضع أسوأ على صعيد الوحدة الجغرافية، فقد عمل الاحتلال على مصادرة أكثر من 30% من مساحة الضفة لصالح الاستيطان بأشكاله المختلفة. وشيد مئات آلاف الوحدات السكنية، وحول عدة مستوطنات إلى مدن ولم تسلم محافظة في الضفة من سرطان الاستيطان.
الأخطر من ذلك أنه خلال هذه الفترة قسمت سلطات الاحتلال الضفة الغربية إلى 3 كانتونات هي شمال الضفة ثم وسطها ثم جنوبها بحيث لا يوجد أي تواصل جغرافي بينها إلاّ من خلال الطرق الاستيطانية، وهي قادرة على إغلاق هذه المناطق وعزلها في دقيقة واحدة متى أرادت.
واليوم مع قرار هدم الخان الأحمر فإن هذه الكانتونات ستزيد إلى أربعة مع سيطرة كاملة وإفراغ لكل ما هو فلسطيني من المنطقة الممتدة من شمال وشرق القدس وحتى حدود البحر الميت.
أما الملحق الثالث وهو بروتوكول التعاون الإسرائيلي ـ الفلسطيني في البرامج الاقتصادية والتنمية فينص على التعاون في حقل المياه يشمل برنامجاً لتنمية الموارد المائية في الضفة والقطاع مع استخدام عادل للموارد المائية المشتركة ولكن بعد 25 عاماً نلاحظ سيطرة إسرائيلية كاملة على موارد وأحواض المياه الفلسطينية، ولم يعد لكلمة التعاون وجود بل هي سرقة متعمدة للمياه والأكثر من ذلك هو إعادة بيعنا 90% من المياه المخصصة للشرب، مع عدم السماح للسلطة الفلسطينية بأي سيطرة فعلية على هذه الموارد، فيما ينعم المستوطنون بالنسبة الأكبر من حجم المياه المستخرجة من الضفة الغربية.
كما أن هناك فقرةً تنص على التعاون في حقل الطاقة واستغلال النفط والغاز خصوصاً في قطاع غزة. ولكن النتيجة غزة شبه مظلمة والضفة تعتمد بشكل أساسي على شراء التيار من الجانب الإسرائيلي وبأسعار ربما هي الأغلى في العالم. وحقول الغاز في بحر غزة يمنع الفلسطينيون من استغلالها.
كما تقرأ فقرة حول التعاون في مجال النقل والمواصلات وتعاون مشابه في مجال التجارة والمال يشمل برنامجاً للتطوير المالي وبرنامج عمل لتشجيع الاستثمارات الدولية في الضفة الغربية وقطاع غزة وتعاوناً في مجال الصناعة وخطة مشتركة لحماية البيئة.. ولكن كلمة تعاون قامت إسرائيل باغتيالها عمداً وعن سابق إصرار فأصبحت سيطرة إسرائيلية في مجال التجارة وسيطرة في مجال الاتصالات وسيطرة على البيئة... .
أما بالنسبة إلى قضايا الحل النهائي التي تم الاتفاق عليها وهي القدس والحدود واللاجئون ... فإنها جميعاً أصبحت في خبر كان، فيما ساهم انحياز إدارة ترامب واستخدامها سياسة العصا الغليظة ضد السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني ليس فقط باغتيال أوسلو ولكن بالتخلي عن جثته المتعفنة وإلقائها نحو السلطة الفلسطينية.
آن الأوان لأن تتخلى السلطة عن الجثة المتعفنة وتعيدها إلى الجانب الإسرائيلي، ولعل الخطوة الأولى هي سحب الاعتراف بإسرائيل لأنها خالفت الاتفاقات والمعاهدات الثنائية كلها خلال العقدين والنصف الماضيين واغتالتها!
[email protected]
أضف تعليق