اعذريني .. فاني حقيقة أهواك.. ومن أعماق قلبي أهواك.. لكن!!
نشأنا وترعرنا على حب الديمقراطية والتعددية واحترام الرأي الآخر، وتعلمنا في المدارس عن مآثر الديمقراطية منذ أيام اليونان القديمة حتى أمريكا الحديثة. اقتنعنا أن الديمقراطية أفضل أنواع الحكم كيف لا، وهي تعني حكم الشعب. أيدنا الأحزاب والحركات التي نقشت على أعلامها كلمة الديمقراطية وزينت أسماءها بها أو بمرادفاتها. أعجبنا بالفلاسفة والقادة والأدباء الذين تغنوا بالديمقراطية، وخطوا نتاجهم بمدادها ووضعوا أسسا جديدة وحديثة لها. انضممنا لجوقة المادحين للديمقراطية دون حذر أو وجل أو تردد. فرحنا كلما سمعنا عن بقعة ديمقراطية تضاف الى خارطة الشعوب الحضارية، وخاصة في وطننا العربي الذي يفتقر للديمقراطية ويتوق اليها. فهمنا أن الديمقراطية عابرة للقارات والانتماءات، أسمى من العقائد والقوميات.
كبرنا وزادتنا السنوات خبرة، عرفنا أصنافا من البشر والساسة، وصلتنا أخبار دول وشعوب، قرأنا في الصحف والكتب، مارسنا الحياة ووقفنا على ما تحويه من متناقضات. قالوا لنا أن أمريكا بلد الحريات وحقوق الانسان وقمة الديمقراطية.. وبعد سنوات تابعنا جرائم الولايات المتحدة الأمريكية في كل بقاع الدنيا في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، لم تترك دولة تنشد الحرية والاستقلال الا وضربتها، لم يناضل شعب للحرية الا ووقفت أمريكا في وجهه. وأخيرا رأينا معقل الديمقراطية ترعى وتحرس أكثر الأنظمة رجعية وظلامية وتخلفا وديكتاتورية، بل وتدعم مالا وعتادا أكثر التنظيمات دموية ورجعية وظلامية.. وكل ذلك تحت يافطة نشر الديمقراطية!!
أما اسرائيل واحة الديمقرطية الوحيدة في الشرق الأوسط وصحراء الدول العربية المتوحشة ( كما يدعي زعماؤها).. فقد خبر أهلنا ديمقراطيتها في ظل نظام الحكم العسكري وممارساته العنصرية والتضييق ومصادرة الأراضي واستغلال الأيدي العاملة، وبعد احتلال سائر أجزاء فلسطين شهدنا المد اليميني الذي تصاعد وتصاعد الى حد الفاشية وتحويلها الى دولة أبرتهايد.. ومؤخرا تمادت في سن القوانين العنصرية والعرقية، وظلت تزعم وتدعي أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!!
عاشرنا زعماء وقادة ومفكرين نقشوا على صدورهم شعار الديمقراطية، ونعتوا أحزابهم وحركاتهم بالديمقراطية ودبجوا مقالاتهم وخطاباتهم بعبارات الديمقراطية، لكنهم وكما عرفناهم عن قرب أثبتوا أنهم أشد الأشخاص ديكتاتورية وأشد الزعماء انفرادية وأكثر القادة نرجسية، لم يحتملوا الرأي الآخر بل فرضوا رأيهم على المجموع، لم يتقبلوا أي نقد وأقاموا حكمهم القول الفصل، لم يستمعوا لمن حولهم واعتبروهم أتباع وإمّعات، هم وحدهم الذين يفهمون وهم وحدهم يقررون، يعينون ويقيلون، يقربون ويبعدون.. وكل ذلك تحت شعار الديمقراطية الذي اتخذوه مطيّة لأفعالهم الفردية.
قالوا وزعموا أن الجمهوريات العربية التي قامت في النصف الثاني من القرن العشرين، انما هي جمهوريات مستبدة ومتسلطة وقاهرة للحريات، لأنها لم تأت من داخل الصناديق انما جاءت على ظهر الدبابات. تمادوا بالهجوم على رائد القومية العربية الحديثة وتجنوا على باني الوحدة العربية الجديدة، ألا وهو القائد العربي الخالد جمال عبد الناصر، الذي فهم الديمقراطية على عكس ما فهموها ووضع أسسا جديدة لها. وبعدما صدرت لنا أمريكا "الفوضى الخلاقة" وما سمي زورا "الربيع العربي"، شهدناهم ينتقلون لتأييد تلك التحركات المشبوهة تحت يافطة "الديمقراطية" ويدعمون الفوضى والخروج عن النظام باسم "الثورة" زورا ونفاقا. مشوا وراء من عمل على تنفيذ مخططات الغرب الاستعمارية وأفكار بيرس الصهيونية بشرق أوسط جديد في خدمة الظلامية. ورأينا أي ديمقراطية يأتون بها، انها ديمقرطية الزعران والشذاد وتجار السلاح والمخدرات، ديمقراطية المأجورين والخارجين عن القانون، ديمقراطية العصابات الإرهابية والتنظيمات التكفيرية الظلامية، ديمقراطية قاطعي الرؤوس وآكلي الأكباد واتهموا الأنظمة القومية بالاستبداد، نظرّوا لثورات مشبوهة ودعموا تنظيمات مأجورة، ووعدونا بالديمقراطية المزيفة. لم تعجبهم أنظمة الدبابات، وأيدوا تنظيمات رجعية وطائفية وانقسامية وتكفيرية وظلامية، جاءت على حد الحراب والسيوف والخناجر.. وكل ذلك تحت يافطة "الديمقراطية"!!
إني عاتب عليك عزيزتي الديمقراطية الى حد الغضب، وهذا من قدر محبتي لك. عاتب عليك أيتها الفتاة الجميلة اليانعة، أيتها القيمة الخالدة والرائعة، كيف لم تملكي رؤية الاحتراس من الغدارين والمدعين ولم تضعي الحدود للمتاجرين بك. أيتها الجميلة كيف سمحت وتسمحين لهم بتشويه جمالك المطلق وتلويث يديك الطاهرتين وفقء عينيك الساحرتين، كيف صمتّ عن انتهاك معبدك وتدنيس مقدساتك وتشويه رسالتك؟
لكننا عرفنا الكذبة الكبرى.. لا حكم للشعب ولا لأغلبيته، انما هي الأقلية التي تحكم، أقلية متجبرة، متعصبة، تدوس على كل القيم الإنسانية، وتتخذ الديمقراطية وسيلة للسيطرة والتحكم والعبودية.. ليس هناك ديمقراطية حقيقية بل " ديمقراطية" مقنعة، مزيفة، مزورة، مشوهة، من قبل شلّة سماسرة ومأجورين ومجرمين. لذا اعذريني اذا ما كفرت بديمقراطية مغتصبة كتلك، وبقيت على محبتي لديمقراطية حلمت وآمنت بها.. ديمقراطية، نقية، نظيفة، شريفة.
( شفاعمرو/ الجليل)
[email protected]
أضف تعليق