ليس في السياسة مستحيل، فهي لا تخضع لقوانين أو معايير ثابتة؛ كونها كالطقس شتاءً متغيرة... متقلبة لا تعرف متى ترعد أو تشرق... السياسة بلا أخلاق. قائمة على مبدأ الشر لا الخير.
سؤال: ماذا لو أعدنا اليوم 4/8/2018 إلى 4/8/2014 أو 2008 مثلاً، ووصلت معلومات إلى أجهزة الاحتلال الأمنية أن أعضاء مكتب حماس السياسي في الداخل والخارج والقيادة العسكرية للحركة مجتمعون في مبنى على شاطئ غزة... كيف سيكون رد الفعل؟ لن يتأخر الرد وسيتم قصف الموقع بالقنابل الفراغية أو حتى "أم القنابل" كي تنهي قوات الاحتلال في ضربة واحدة قيادة حركة المقاومة الإسلامية.
لكن حسابات اليوم، ليست كحسابات السنوات الأربع أو التسع الماضية، فالمكتب السياسي لحركة حماس بكل أعضائه موجود في فندق المشتل على شاطئ غزة، أفضل فنادق القطاع... مصنف 5 نجوم، لا انقطاع للمياه أو الكهرباء عنه. وربما كان غداء اليوم من أجود أسماك غزة، إذا ما تمكن صياد من مغافلة بحرية الاحتلال وصيد قليل من أسماك "اللوقس".
المكتب السياسي لحماس في غزة ليس للاستجمام، أو للتأكيد على المواجهة مع قوات الاحتلال... ولا الإعلان عن الحرب طويلة الأمد لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر... وإنما جاء بموافقة أمنية إسرائيلية.
لا نريد لإخوة الدم والسلاح أن "يزعلو" من هذا المصطلح، نعم، موافقة أمنية إسرائيلية أساسها إعطاء الأمان وعدم التعرض لأي من قيادات حماس خلال هذه الأيام الحاسمة، والسبب لأن قيادة حماس تبحث تفاصيل التهدئة (اتفاق التهدئة بين حركة حماس وسلطات الاحتلال الذي أبرم بعد العدوان الأول ثم الثاني ثم الثالث)... تهدئة تبحث عنها كل الأطراف، حماس والفصائل الفلسطينية في غالبيتها المطلقة ولا نريد القول جميعها، والتي أيضاً ترغب بها إسرائيل، وتشجعها الأنظمة العربية كلها وتباركها واشنطن بقوة.
التهدئة هذه المرة لن تكون كسابقاتها، فاليوم ستدخل التهدئة لعبة السياسة بقوة، وستتغلب لغة المصالح على أي لغة أخرى.
التهدئة هذه المرة ستكون على شكل اتفاقية واضحة تستمر على الأقل عشر سنوات كما ترغب "حماس"، أو عشرين أو ثلاثين سنة كما ترغب إسرائيل.
تهدئة تقوم على أساس واحد، عدم إطلاق رصاصة واحدة داخل حدود العام 1967، والحفاظ على الهدوء بمختلف أشكاله حتى لو كان طائرة ورقية خرجت من يد "ولد" صغير وهو يلهو فيصبح لعب الولد كارثياً... إذن هي تهدئة بكل ما للكلمة من معنى.
في المقابل، آن الأوان لهذا الحصار الملعون أن يتم تخفيفه رويداً، رويداً.... مثل قطرات الماء لعطشى في وسط الصحراء، كل قطرة لها ثمن.. تدفع فتحصل على القطرة الثانية.
السؤال: إذا كان ثمن التهدئة هو رفع الحصار، فتباً لهذا الثمن... قطاع غزة قبل العام 2006 لم يكن محاصراً. بل في مرحلة كان فيها حتى الطريق الآمن مفتوحاً بين الضفة والقطاع، ومعبر رفح مفتوحاً 24 ساعة طوال الأسبوع... .
هذه التهدئة أرجعتنا إلى قصة الحمار والكلب والثور التي أدخلت إلى بيت من طالب بتوسعة بيته، فلما صاح أخرجوا الكلب ثم الحمار ثم الثور... فقال نعم، الآن أفضل!!!
حقيقة الاتفاق لن تقف عند حدود التهدئة بل ستتجاوزها إلى مستقبل قطاع غزة السياسي والاقتصادي والوطني... خطة ترامب ستنطلق من قطاع غزة، والضغط الأميركي آتى أُكله... كل الأطراف وافقت على أن تكون البداية من قطاع غزة... والقطاع المحاصر مستعد الآن لدفع الثمن والقبول تحت مسميات رفع الحصار وتحسين الوضع الاقتصادي والمالي للناس الذين تعبوا من هذا الوضع.
الطبخة الأميركية ليست على نار هادئة كما يعتقد البعض، ولكنها نضجت ربما أسرع من الوقت الذي كان يعتقده البعض.
تأجيل نتنياهو زيارته للخارج واجتماع الكابينيت الإسرائيلي غداً... واجتماعات حماس المكثفة ولقاءاتها مع بعض الفصائل ليست مضيعةً للوقت... بل هي لوضع النقاط على حروف الطبخة الأميركية.
إذا ما تحققت التهدئة وتمكنت حماس من الخلاص من الحصار... وفتحت واشنطن صنبورها المالي على المشاريع والموظفين هناك؛ فإن الخاسر الأكبر سيكون أحجية المصالحة.
موافقة واشنطن وإسرائيل على عودة المكتب السياسي واجتماعاته في غزة لم تكن لولا علم اليقين عند تل أبيب أن الطبخة الأميركية أصبحت جاهزة من قلب غزة!
إذا ما تحقق ذلك فإن القضية الفلسطينية برمتها ستكون مجمدة لعقدين أو ثلاثة... وبالنسبة للضفة الغربية فلن تظل سوى المسميات الوظيفية في كنتونات محاصرة بالاستيطان والتهويد؟!
[email protected]
أضف تعليق