الكاتب: نداء يونس
تختلف الدول في ادارتها لشؤون مؤسساتها واستراتيجياتها كما في رؤاها وعلاقاتها الا ان القاسم المشترك بين التجارب الفاشلة لهذه المنظومات هو قوننة الفساد والذهاب ابعد الى تبريره والدفاع عنه، اذ لا اختلاف على العنصرية التي شكلت صلب فكرة وممارسات استعمار بريطانيا لجنوب افريقيا، والذي عرف بنظام بريتوريا، مثلا، الا اننا نذكر جيدا كيف انهار هذا النظام بعد عدة سنوات عندما بدأ يشرعن هذه الممارسات ويقوننها، حيث ساعدت تلك القوانين على بناء جبهة وطنية وتحالف دولي أدى إلى فرض عقوبات على النظام وعزله واسقاطه.
اذا قمنا بتتبع الحالة الفلسطينية مؤسساتيا، فاننا نرى جهودا رائدة سواء في اطار منظومة مؤسسات الدولة الرقابية والإدارية والقضائية لضمان العدالة وحسن تطبيق النظام والشفافية والنزاهة بل والمساءلة والمحاسبة وفتح الباب واسعا باتجاه التحقيق في اية تظلمات لهدف اسمى يتجاوز حسن سير الاجراءات الى بناء ثقة المواطن الفلسطيني بدولته ومؤسساته وتحقيقا لشعار"المواطن اولا" والذي بنيت عليه الإستراتيجية الوطنية لقطاع التعاون للأعوام 2017-2022 والتي أطلقها دولة رئيس الوزراء د.رامي الحمد الله. وعلى الصعيد الحزبي، فاننا نلاحظ ذات الحراك من حركة فتح وتحديدا مجلسها الثوري ومركزيتها وعلى مسافة صفر من المواطن الفلسطيني التحاما وشراكة في النضال في أماكن الحدث الأكثر سخونة مثل كفر قدوم والخان الأحمر وباتجاه خلق حالة من الالتفاف الشعبي والوطني الفلسطيني لاعادة النضال الوطني الى الساحات والالتحام مع الشارع الفلسطيني ما يعيدنا الى بدايات انطلاق الثورة الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير والخطوات الآولى لحركة فتح في الساحات الخارجية، وعلى مسافة صفر من الاحتلال الإسرائيلي مقاومة ومواجهة، ولتحقيق الحلم الاسمى للشعب الفلسطيني في التحرر من الاحتلال وإقامة دولة مؤسسات مستقلة ولجميع مواطنيها وعاصمتها القدس. الأمر الذي تُكلله دائما المساعدات الرئاسية والحكومية للعلاج والتعليم وغيرها من القضايا التي تمس بحياة المواطن الفلسطيني ودون تمييز بل وبجهد ملموس من خلال قيادات الاجهزة الأمنية والمحافظين للبحث عن هذه الحالات وتقديم المساعدة مباشرة و/أو تحويل المناشدات لجهات الاختصاص أو السيد الرئيس لمتابعتها وتوفير الموافقات اللازمة.
وعلى كلا الصعيدين، هناك جهد نقدمه جمعياً هنا، وحيث التفاصيل في أماكن أخرى، الا انه ينبغي التأكيد على انه لا يمكن تحقيق هذه الهدف الاسمى بالالتفاف حول القيادة حركيا واداريا ما دام هناك شرخ في الثقة بين عامة الشعب والقيادة ذاتها. تتعدد الأسباب اذا ذهبنا بعيدا في التفاصيل، لكن جوهر هذه الاسباب واحد الا وهو الفساد، وما يتفرع عنه من مظاهر واشكال ليس أبعدها الانقسام والمحاصصة وليس أقلها سوء الإدارة. فماذا اذا تجاوزنا الحديث عن ممارسة الفساد الى محاولة قوننته او حتى قوننته والتحايل عليه بل والذهاب ابعد الى استغباء المواطن بادعاء ما يخالف قناعاته او سيرورة الأمور التي يطلع عليها بحكم تخصصه في الإدارة والقانون وغيرها من علوم او خبرة ذات علاقة او حتى بحكم الاحتكاك اليومي البسيط بالقضايا مثار التساؤل و/أو المساءلة ؟!!!
لا يمكن لمن يحس بالظلم والمهانة لا لسبب الا لكونه ضمن دائرة اقصى في أولوية الحقوق لتغول المصالح والفئوية او المبررات الخاصة – وهذا مصطلح جديد يتم استخدامه للتبرير– ان ينتمي الى الفكرة، كما لا يستطيع ذات الشخص الإجابة عن سؤال بسيط ومباشر: لمن هذا الوطن؟
لا يمكن للإحساس بالانتماء والالتفاف حول أي شعار او قيادة أن يصبح نهجا طالما يحس المواطن بأنه يدافع عما ليس له وأنه مشاع بين احتلال ظالم ومستبيح للحقوق وظلم يتأتى من فساد ومحاباة وتصنيفات تتراوح بين الأهم والأكثر أهمية وعامة الشعب.
ان تصويب البوصلة باتجاه الشفافية والعدالة والمحاسبة كفيل بان يخلق حالة دعم واسناد للقيادة وللحكومة وان يشكل جبهة تدافع عن وطن للجميع بل والذهاب باتجاه إنجاح أي تخطيط مستقبلي للمقاومة والتحرير يقوم على استثمار محبة الوطن الذي لا تحكمه حسابات خاصة، وكي يموت الفرد العادي وهو يعلم انه يدافع عن مستقبل أبنائه وليس أبناء الاخرين فقط.
ان ما يردده الشارع مما يرتقي الى مسلمات في اغلب الاحيان حول الفساد وانتشار الواسطة والمحسوبية وترسخ الانقسام كأمر واقع في ظل تعنت حماس وارتكانها الى المحاصصة وتقسيم المُقَسَّم، أدى الى حالة تراخ ونكوص ورِدَةٍ عن الانخراط في المشروع الوطني الى ممارسة النقد اللاذع والهجوم والتهجم المستمرعلى الفكرة ورموزها وقياداتها والنظام كله بل وتشكيل البعض لمجموعات ضاغطة تندد بكل الوسائل المتاحة بما تعتنقه من مسلمات - نكافح لنفيها بسلامة اجراءاتنا وتواجدنا على الأرض في خندق واحد مع المناضلين ضد الاحتلال – ولكنها تصطدم ببعض الاساءات الفردية التي قد يستغلها البعض افرادا ومؤسسات بفضائحية تسئ الى النظام كله. ان قناعات المواطنين او مسلماتهم والتي ترقى الى صور ذهنية الان لن تتغير الا اذا تغير نهج الإدارة والتوزيع للامكانيات المتاحة -على قلتها- بعيدا عن المحاصصة والمحاباة والفساد والانقسام، ولن تنكسر تلك الصور الذهنية الا اذا تم تبني مشروع وطني واضح لا يتنكر لمبادئه احد ويعمل على دعم كفاءاته ويبني على الجميع وليس على فرد او لأحد.
تكمن خطوره التأسيس على الفساد ومخرجات الانقسام والمحاصصة والتي يطالب الجميع بانهائها وعدم الاهتمام بتعزيز الثقة مع المواطن والتي يمس نقيضها – أي الشك والتشكيك- بالحقوق الاصيلة والمكتسبة للمواطن وبثقته بالمنظومة والنظام وحتى علاقته بأطفاله، وتتجلى في ما نلاحظه الان من عنف يظهر جلياً في تغطية الاعلام الفلسطيني لقضايا تتعلق بسوء الإدارة واستخدام المنصب والمكاسب بالنظام والقانون، او مهاجمه الرموز باستخفاف او من خلال بث الاشاعات وهيمنة المصدر الواحد للمعلومة على الخبر او ما يمكن تتبعه من حراك النشطاء تحديدا عبر مواقع التواصل الاجتماعي مطالبين ومنددين ومحرضين احيانا. أما قمة الخطورة في هذا الامر فانها تتجلى في مجابهة المواطن لأي تبرير تقدمه الجهات ذات العلاقة بالسخرية بل واخذه على محمل الشك.
في 28/8/2012، وجهت الى سيادة الرئيس محمود عباس رسالة على صفحتي في الفيس بوك كان أكبر همي الذي عبرت عنه في تلك الرسالة التي سألته فيها: لماذا أنشأ حسابا فيسبوكيا؟ هو الكثير من الاشياء التي تحدث وأهمها سرقة حقوق الاخرين من خلال جرأة البعض وقدرته على انتحال النصوص الادبية والإعلامية، الآن همي أكبر من جرأة البعض على سرقة نصوص الى المساس بحقوق. أتذكر رد السيد الرئيس الذي اختار ان ينشره ليس على صفحته الفيسبوكية بل من خلال وسائل الاعلام المحلية قائلا "إن شعبنا عظيم، وفيه من أصحاب المواهب والإبداع الكثير الكثير، ودائما أقول إنه ليس لدينا ثروات طبيعية نعتمد عليها، ولكن لدينا الأغلى والأثمن من ذلك، لدينا الإنسان الفلسطيني، والعقل الفلسطيني، والمواهب الفلسطينية والمبدع الفلسطيني الذي نفتخر به، ولدينا قوة الحق الذي يشكل بوصلتنا للوصول إلى أهدافنا"، واتذكر جيدا انه أكد على أن " الحكمة تقتضي أن نطلع ونتابع هموم وآمال وأحلام شبابنا الذين هم أبناءنا وأحفادنا، سألته في رسالتي حول رغبته أن يلتقي بنا على الفيسبوك وان يطلع على احلامنا البسيطة، حراكنا اليومي، مواهبنا او جنوننا او ان يضحك مثلنا على نكاتنا وفذلكاتنا الذهنية مثلما سنحت له الفرصة ليستمع سابقا الى ابداع اذاعي فلسطيني ذات مومنت، والآن لم يعد الامر سؤالا الان بل رجاء فأنا (نحن) لست (نا) بخير كما تمنى لي في رسالته اللطيفة.
هناك بارقة أمل دائما في ان نتمكن جميعا في تقديم الصورة الأمثل عن فلسطين قيادة وحكومة، وان نكون نوابض حية في الجسم الفلسطيني السليم وتُروسَاً في آلة محاربة المظاهر المسيئة مثل الانقسام والفساد. بوصلتنا واضحة وهدفنا واحد يتمثل في انهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية بقوة الحق الذي نمتلكه والفخر الأعلى بالإنسان الفلسطيني: "الأغلى" و"الأثمن".
[email protected]
أضف تعليق