يُروى أن أحداً سأل الخليفة أبا بكر الصديق عن معنى الكلمة الثانية التي وردت في القرآن الكريم "وفاكهة وأبّا" فأجاب: "أي سماء تظلّلني، وأي أرض تُقلني، إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم".
يُقال، أيضاً، إن الخليفة عمر بن الخطاب سئل السؤال ذاته، فأجاب: أما "الفاكهة" فهي التي نعرف وتعرفون وأما "أبّا" فعلمها عند الله!
حسب تفسير "موقع هدى القرآن" الإلكتروني، فإن الفاكهة مطلق الثمار، وقيل ماعدا العنب والرمّان. سألت صديقاً "حمساوياً" السؤال، فأعطاني تفسيراً مرجّحاً، وأضاف: الله أعلم.
لا أعرف لماذا استثني العنب والرمّان من تعريف الفاكهة أنها "مطلق الثمار"؟ هل لأنها من فاكهة الجنّة كما يُقال "قطوفها دانية" مع أن الفاكهة، بما فيها العنب والرمّان، تتكاثر إما بفسيلة وإما ببذرة.
ينصحك علماء الصحة بالإكثار من: الخضراوات (الورقية بالذات) ومن الفاكهة، وكذا من البقوليات.
أينما يمّمت وجهك تجد اسم "جنة الفواكه والخضراوات" لمحلات ودكاكين الفواكه والخضراوات، وقسم كبير ويكبر منها نتيجة التأصيل والتدجين والاستنبات المبكّر في غير أوانها.
تتدلّى قطوف "الموز" في بسطات ومحلات الخضراوات على مدار العام، وأخيراً صدر تحذير من بعض علماء النبات: وصلت ثمار "الموز" إلى أقصى طاقتها المناعية بعد التأصيل والتدجين والاستنبات، وهي مهدّدة بالانهيار، بدءاً من موطنها الأصلي والطبيعي في دول أميركا الوسطى "جمهوريات الموز".. وبعد سنوات سيصل هذا الانهيار إلى الشرق الأوسط!
لن أسألك: منذ متى تناولت حبة بندورة بلدية أصلية، وهي الفاكهة المصنّفة نباتاً، وأكثر الفواكه ـ النباتات استهلاكاً في العالم (هي والذرة والبطاطا من محاصيل العالم الجديد).
أحياناً، تفتش عن الموز الريحاوي "أبو نملة" وغالباً يغشّونك ويضحكون عليك، وليست كل قرون الموز الصغيرة هي "أبو نملة".
سألت عن سبب انهيار الموز الوشيك، فقيل لي: لعلّ السبب أنه ثمرة لا بذرية يسهل إخصابها وتهجينها لزيادة غلّتها.
يُقال إن الإسرائيليين من مهرة مزارعي العالم في التهجين، بما في ذلك تهجين نبتة الصبّار ـ الفاكهة وتلك نبتة الزينة.
في عزّ الشتاء، وبعد شهرين أو ثلاثة، من انتهاء محصول البطيخ، وقبل أن تورق أشجار الدالية، تجدون في أسواقنا بطيخاً إسرائيلياً وعنباً إسرائيلياً مهجّناً بلا بذور.. وبالطبع، بلا طعم.
يقول لسان الناس: كل شيء في موسمه حلو، وبما أن مواسم الفاكهة مختلفة من مكان جغرافي إلى آخر، فإنك تجد الفواكه في غير موسمها بسبب تقدم وسائل النقل؟
كنا في غوطة دمشق، ننتظر بطيخ أغوار الأردن في شهور الصيف، والأمهات والأخوات يجعلن بذوره تسالي ذات نكهة، لأنها تحمّص رطبة.
الآن، عودة الروح للبطيخ الفلسطيني بعد انقراضه بالأمراض وشحّة المياه، وتأصيله على جذور نبات القرع والفقّوس، وهو كثير البذور.
يقولون إن بذور الثمار قد تفوق الثمرة فائدة، ومن ثمّ لا بأس أن تهرس بأسنانك بعض حبّات الحامض، أو بذور العنب... إلخ! وأن تقزقز وتفصفص المكسّرات.
بعد انهيار ألبانيا ـ أنور خوجا، وجد علماء "الفاو" كنزاً من البذور المؤصّلة جيلاً بعد جيل، ووضعوها في الخزائن، احتياطاً لانهيار محاصيل معينة نتيجة الاصطفاء الصناعي لا الطبيعي واللعب بالجينات المورثة لزيادة الغلة ومقاومة الأمراض.
أذكر أن مواعيد الامتحانات في سورية كانت تصادف مواعيد استواء سنابل القمح الحوراني، قبل نضجها الكامل، واصفرارها وحصادها.. فريكة على السريع!
قديماً كانت حقول سورية، وخاصة في الجولان، هي "إهراءات القمح" للإمبراطورية الرومانية، وحتى منتصف القرن الماضي كانت سورية تصدّر "القمح القاسي" الحوراني إلى بلاد المعكرونة (إيطاليا) عن طريق المبادلة: كل شوال "قمح قاسي" حوراني، جيد للمعجّنات والمعكرونة، مقابل ثلاثة شوالات من "القمح الطري" أو "الأميركاني" أو "الأسترالي" إلى أن سادت الأصناف الهجينة.. وقس على ذلك في محاصيل الرز والذرة، حيث نجحوا في إنتاج الرز من أراضٍ نصف جافة، بما مكّن الهند والصين من إنتاج ما يكفي لمئات الملايين من المستهلكين.
وفي المقابل، كانت بعض الثمار، مثل التفاح، ذات أنواع قليلة، لكن قيل لي إن الأمر وصل في أسواق بريطانيا إلى الخيار بين 120 نوعاً من التفاح.
يبدو أن جيلي هو الأخير الذي تذوّق الثمار والخضار في مواسمها الطبيعية، وآخر جيل كانت الأمهات تعدّ رُبّ البندورة الأصلية، وتجفّفها تحت الشمس، وتجعلها مؤونة على مدار العام.
أي "كلوا من طيّبات ما رزقناكم" ولو أنه يبقى شعار محلات الفواكه والخضراوات المهجّنة والمؤصّلة.
[email protected]
أضف تعليق