منذ نهاية الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة العام 2014، لم تقم إسرائيل بإغلاق معبر كرم أبو سالم، باستثناء يوم واحد في كانون الأول الماضي، ويوم آخر في أيار الماضي، لجوء المستوى السياسي والأمني في إسرائيل إلى إغلاق هذا المعبر مؤخراً، وعلى هذا المستوى الذي يزيد من عمق الكارثة الإنسانية في القطاع، مع تجاهل تداعيات هذا الإغلاق على مناخات حرب قادمة تؤكد إسرائيل أنها لا تسعى لها، ما يشير إلى أن الدولة العبرية تعاني من حالة احباط على المستويين السياسي والأمني، ما اضطرها ـ كما تقول بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، الى استبدال خيار الحرب بخيار الضغط المتواتر والمتزايد على حماس.
"لن تذهب إسرائيل إلى حرب بسبب الطائرات الورقية" هذا ما قاله جنرالات إسرائيل لوزير الحرب ليبرمان، أثناء مناقشة كيفية الرد على الطائرات الورقية الحارقة، بعدما اعتبر هذا الأخير، أن لا حل لذلك إلاّ بالإقدام على حرب جديدة على قطاع غزة، وتقول "معاريف" بهذا الصدد ان ليبرمان كان وحيداً في هذا النقاش في مواجهة قادة هيئة الأركان والقيادة الجنوبية وجهاز الأمن العام "الشاباك" ومجلس الأمن القومي، الذين أجمعوا على أن لا فائدة من حرب جديدة على القطاع، لذلك وافق هؤلاء على "خطوات عقابية" مع استمرار العمل على إيجاد حل للطائرات الورقية باستثناء مواجهة عسكرية شاملة، ويبدو من المرجح أن إقدام رئيس الحكومة نتنياهو على قرار إغلاق معبر كرم أبو سالم، هو البديل عن حرب شاملة لا تجد من يؤيدها على المستوى الأمني والعسكري في إسرائيل.
ويأتي قرار نتنياهو بإغلاق المعبر التجاري الوحيد مع قطاع غزة، في ظل عملية مراجعة للحرب الثالثة على قطاع غزة التي مضى عليها هذه الأيام أربع سنوات، تم التوصل في نهايتها إلى هدنة، ظلت إسرائيل تقول خلال الأعوام الأربعة، إنها كانت الأكثر أمناً وسلاماً للدولة العبرية، وخاصة على تخوم الحدود على "غلاف غزة"، فسرت إسرائيل نتائج تلك الحرب والهدنة التي تم التوصل إليها في نهايتها، ان الدولة العبرية باتت أكثر قدرة على الردع.
عملية المراجعة من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية للحرب الثالثة على قطاع غزة، تشير إلى أن كافة الحروب التي قامت بها إسرائيل على قطاع غزة لم تكن خياراً إسرائيلياً وحتى لم تكن خياراً لدى حركة حماس، لذلك لم تكن هناك أية خطة لإنهائها، لأنه لم تكن هناك خطة لشنها، إلاّ أن تداعيات مسيرة العودة، خاصة فيما يتعلق بالطائرات الورقية الحارقة، خلقت وضعاً جديداً، ذلك أن اسرائيل أوجدت حلولاً للصواريخ المنطلقة من قطاع غزة بعدما أثبتت القبة الحديدية نجاعتها، وكذلك حلولاً لمشكلة الأنفاق، خاصة تلك التي تخترق الحدود، بينما وقفت عاجزة أمام الطائرات الورقية الحارقة، بعدما وجدت أن إطلاق النار على مطلقيها ليس خياراً باعتبار ذلك سيحقق الهدف الذي سعت إليه حماس لكي تكشف الاستخدام المتزايد للنار من قبل إسرائيل ولمزيد من الحصار السياسي الدولي، الرسمي والرأي العام على الدولة العبرية.
ولعلّ أهم ما في هذه المراجعة حول نتائج الحرب الثالثة على قطاع غزة، هي التي قام بها القائد العسكري الإسرائيلي الذي قاد هذه الحرب، سامي ترجمان، قائد المنطقة الجنوبية السابق، وذلك في بحث نشره موقع معهد واشنطن مؤخراً، محذراً من أن شن حرب على قطاع غزة يمكن أن يفضي إلى استدراج إسرائيل للتورط في القطاع بحيث تكون مسؤولة عن إدارة شؤون مليون فلسطيني، ناهيك عن الخسائر البشرية المتوقعة، والمطلوب، كما يرى ترجمان، ليس نزع سلاح حماس وإنما التزامها بعدم تعزيز قوتها، والبديل عن ذلك تحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع، باعتبار ذلك "مركباً أساسياً" من مركبات إدارة الصراع.
تتكرر هذه المراجعات كل عام، إلاّ أنها في الذكرى الرابعة، تشير هذه المراجعات إلى أن السبب الجوهري، من بين أسباب أخرى، لضرورة الامتناع عن القيام بحرب إسرائيلية جديدة على قطاع غزة، يكمن في أن من شأن هذه الحرب، وضع نهاية لصفقة القرن الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، وفي ضوء الموقف الصلب للقيادة الفلسطينية في مواجهة هذه الصفقة، فإن خيار الحرب في هذه الحالة، سيؤدي إلى إسقاط الصفقة وتعزيز موقف القيادة الفلسطينية، وهذا بطبيعة الحال لا يخدم الدولة العبرية!
[email protected]
أضف تعليق