في الساحة الفلسطينية، صراع واضح بين الأحزاب، وصراع آخر بين الأفراد على مستوى الأحزاب أو داخل الحزب نفسه. الصراع يقع تحت عنوان واحد «المصالح».. صراع الأفراد على مصالحهم ومواقعهم السياسية ومستقبلهم.
صراع الأحزاب والحركات قائم على تثبيت سلطاتها أو امتيازاتها، فهي لا تريد أن تكون على هامش المعارضة، فنحن كلنا رؤوس، ولا نقبل غير ذلك.. خلال الأيام الماضية كان هناك تراشق إعلامي وقصف من كل الأطراف، وأسهل شيء هو اتهام الآخر بأنه يتماشى مع صُناع صفقة القرن، أو أنه يساهم في تحقيق هذه الصفقة.
«حماس» تتهم السلطة، و»فتح» تتهم «حماس»، واليسار وعلى رأسه «الشعبية» يتهم الجهتين، أما باقي التنظيمات، وخاصة التي ليس لها وجود على أرض الواقع سوى في خانة الوظائف والمراكز القيادية، فهي تابعة بشكل مطلق لولي أمرها أو نعمتها إن جاز التعبير.
في ظل هذا المشهد القائم، كيف لنا أن نواجه صفقة ترامب، في ظل مزيد من الضغوط الإقليمية للقبول بالخطوط العريضة والبحث في نقاط الخلاف في المستقبل.
الواضح أن جولة المبعوثين الأميركيين في المنطقة لم تفشل بشكل مطلق، كما حاول إعلامنا أن يظهر الأمر.. الحقيقة ربما عكس ذلك تماماً، فالأنظمة العربية أيضاً مرتبطة بمصالح إستراتيجية مع إدارة ترامب، وليس لديها القدرة المطلقة على الرفض، ومن الأفضل بالنسبة لها أن تمارس الضغط على الفلسطينيين بدلاً من ممارسته على الإدارة الأميركية، وبالتالي فهي متساوقة بشكل أو بآخر مع الطرح الأميركي.
المفارقة تكمن في أن النظام السياسي العربي والإقليمي والذي له علاقة بالقضية الفلسطينية، لم يعلن حتى اليوم رفضه صفقة ترامب، ولم يقم حتى بانتقادها. ربما يلتقي النظام العربي مع بعض التحفظات الفلسطينية، ولكنه غير معني برفض مطلق للصفقة. وعليه فإن الضغوط الآن قبل إعلان بنود الصفقة هي الطلب من الفلسطينيين عدم الرفض الكلي أو القبول الكلي. بمعنى، أيها الفلسطينيون، اقبلوا ما هو في صالحكم على الأقل، واجلسوا للحديث والتباحث حول القضايا والبنود الخلافية. وهذا أمر في غاية الخطورة؛ لأن مجرد الدخول في نفق صفقة القرن يعني تشتت القضية الفلسطينية، بل والقضاء عليها.
أمام هذا الواقع هناك أربعة مكونات أساسية يمكن الاعتماد عليها لإفشال الصفقة أو الحد من القدرة على تمريرها أميركياً أو عربياً.
المكون الأول هم اللاجئون الفلسطينيون.. وهم موجودون في أكثر من منطقة ودولة، ولكن نحن الآن بحاجة إلى توحيد صوتهم. وليكن هذا التوحيد من قيادات متفق عليها أو أن هناك إجماعاً عليها في الساحة الفلسطينية بصرف النظر عن انتماءاتها. بمعنى مشاركة الجميع في التصدي لمؤامرة تصفية قضية اللاجئين.
لا شك في أن التحرك الجمعي القائم حتى على خطأ يجنب الأنظمة العربية مسألة التوطين وغيرها من المسائل الخطيرة ويجبر العالم على الامتثال إلى المطالب الفلسطينية.
المكون الثاني هو حراك شبيه بحراك قطاع غزة.. حراك سلمي جامع بقيادة موحدة بعيداً عن الأجهزة وغيرها. شرط الاستمرارية في هذا الحراك الشعبي، وعدم اقتصاره على منطقة محدودة كالسابق أو بمشاركة عدد محدود من المواطنين. وما زلنا نذكر كيف أنه في أحد مواقع المقاومة الشعبية في جنوب الضفة وصل عدد المشاركين في المسيرات إلى أقل من 7 أفراد، ما ساهم في إنهاء المسيرات الأسبوعية في تلك المنطقة.
المكون الثالث هو إدارة الانقسام بشكل يحقق المطالب الفلسطينية بحدها الأدنى، لأنه من الأفضل لنا اليوم إدارة هذا الانقسام البغيض والملعون بدلاً من البحث غير المجدي في إنهائه على قاعدة أن كل طرف يريد أن يحقق الانتصار بالضربة القاضية على الطرف الآخر. فإدارة الانقسام بطريقة جيدة ومقبولة على قاعدة مواجهة صفقة القرن ربما تحقق نتائج جيدة.
المكون الرابع، وله أهمية كبيرة على الرغم من عدم استغلاله بشكل جيد حتى الآن، هو حركات المقاطعة الدولية، والأحزاب والقوى الغربية المؤيدة للقضية الفلسطينية، يجب العمل بشكل جدي على تقوية هذه المنظمات وقياداتها، حتى يكون هناك حراك مساند للفلسطينيين وضاغط على المسؤولين والحكومات الغربية من أجل تغيير منظورهم إلى في المنطقة، أو إيجاد حل عادل وحقيقي للقضية الفلسطينية.
ربما هذه الأفكار تشكل بؤرة لرؤية وخطة حقيقية لمواجهة صفقة القرن فهل من مجيب؟!
[email protected]
أضف تعليق