نحو أربع ساعات، اجتمع «الكابينت» الإسرائيلي، المجلس الوزاري المصغر، لمناقشة بند واحد أساسي: اقتراحات عملية لما يسمى التخفيف من الحصار على قطاع غزة لمنع تفاقم الأزمة الإنسانية التي لا يزال يعاني منها، خشية من انفجار الوضع باتجاه الدولة العبرية، مزيد من العنف «والإرهاب» في وقت تحتاج فيه إسرائيل إلى المزيد من الوقت لبناء خطوات استراتيجية عسكرية على الحدود مع قطاع غزة لضمان الانتصار في الحرب العدوانية القادمة على القطاع.
تمت مناقشة هذا البند باستفاضة، وبناء على هذه النقاشات، تقدم المجتمعون بعدة اقتراحات تتناول حلولاً مستعجلة، وأخرى على المدى المتوسط، وكذلك خطط ومقترحات لحلول على المستوى الطويل، بعد أربع ساعات من هذه النقاشات والمقترحات، انفضّ الاجتماع من دون اتخاذ أي قرار، حتى أن وزير المواصلات والاستخبارات يسرائيل كاتس، الذي سبق وأن تقدم بخطة لإقامة جزيرة وميناء على ساحل قطاع غزة، وعندما تبين له أن لا جدوى في ظل هذه المناقشات غير المجدية من تبني اقتراحه، قام بسحبه من النقاش والتداول.
وفي حين أن وسائل الإعلام الإسرائيلية أجمعت تقريباً على أنه لم تكن هناك خلافات جوهرية بين أعضاء المجلس حول ضرورة الاستناد إلى خطط دولية وإقليمية ورعاية أميركية لتبني اقتراحات إسرائيلية بهذا الشأن، إلاّ أنه ومع ذلك، لم يتمكن المجلس من إقرار أي اقتراح بهذا الخصوص، رغم أن اتفاق وقف إطلاق النار، وسريان الهدنة بين حركة حماس وإسرائيل اثر حرب 2014 أخذ ينهار، إلاّ أن تصريحات أعضاء المجلس لوسائل الإعلام، هي غير تلك التي يتخذونها في النقاشات الداخلية، ويعود ذلك في الأساس، إلى «بعبع» الانتخابات البرلمانية المرتقبة، والحالة «الشعبوية» المتزايدة التي ترهن سلوك أعضاء المجلس تحسباً لمواقف الرأي العام، وعلى الأخص سلوك رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي لا يريد خصوماً أو أعداء، داخل المجلس وخارجه، على ضوء التحقيقات الشرطية معه، علماً أن هذه التحقيقات قد تجددت بعد يوم واحد من اجتماعات المجلس الوزاري المصغر، الأحد الماضي، على ضوء موقف وزير حربه ليبرمان، الذي سبق وأن أعلن خارج اجتماع المجلس عن رفضه لأي مقترحات لتسهيلات على قطاع غزة، إلاّ بعد التوصل لاتفاق مع حركة حماس للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لديها. لا يرغب نتنياهو بفتح ملف الخلافات مع ليبرمان الذي ما زال يهدد بالخروج من الائتلاف الحكومي على خلفية المنافسة المرتقبة لتجنيد «الحريديم».
وحسب ما تداولته وسائل الإعلام الإسرائيلية وهي تغطي أعمال هذا الاجتماع، يتبين أن موقف ليبرمان ظل غامضاً، أو على الأصح مناوراً، فقد تمكن بالفعل من المساهمة عملياً في عجز المجلس عن اتخاذ أي قرار بعد أربع ساعات من النقاشات وتداول المقترحات، موقف ليبرمان اتسم بشعبوية واضحة من خلال تناقضات تفاصيل موقفه أثناء المناقشات حسب ما تداولته وسائل الإعلام الإسرائيلية، فبينما يقول أن لا تسهيلات لقطاع غزة طالما ظل أسرى إسرائيل في قبضة حماس، إلاّ أنه مع ذلك وأثناء النقاش أعرب عن استعداده على الموافقة على تقديم مساعدات إنسانية للقطاع «بدون شروط» على النقيض من بعض أقواله داخل الاجتماع، وبخلاف تصريحات لوسائل الإعلام خارجه حسب ما جاء في صحيفة «هآرتس» يوم الاثنين الماضي!
وبينما تحدثت بعض المصادر الإعلامية الإسرائيلية عن انقسام بين المستويين، الأمني والسياسي في نقاشات المجلس، إلاّ أن حدة هذا الانقسام قد تراجعت مع الاتفاق الهام على ضرورة الإقدام على خطوات من شأنها التسهيل على حياة المواطنين في القطاع. ليبرمان نفسه، نفى عبر مكتبه ما تناقلته بعض وسائل الإعلام العبرية عن وجود خلافات بينه وبين رئيس الأركان غادي ايزنكوت بشأن غزة، وأن مواقفهما متسقة، وسبق وأن أشرنا في مقال قبل أيام عن غضب ليبرمان من تصريحات ايزنكوت حول قطاع غزة، إلاّ أن نفي ليبرمان هذا يشير إلى توافق حول ضرورة التوصل إلى التوافق حول تسهيلات لقطاع غزة، متفقاً في ذلك مع رئيس أركانه الذي عاد ليصرح مراراً وتكراراً من أن لإسرائيل مصلحة في تعافي اقتصاد غزة وأن تصل الكهرباء لسكانها طوال اليوم.
لكن.. لماذا فشل المجلس الوزاري المصغر، والذي يضم أهم صنّاع القرار في الدولة العبرية، في اتخاذ قرار بشأن التسهيلات لقطاع غزة رغم التوافقات الشاملة تقريباً أثناء النقاش والمداولات والاقتراحات؟ هذا التساؤل الوجيه، ليس له من إجابة سوى اتساع نطاق الشعبوية لدى هذه القيادات والزعامات، شعبوية تصل إلى حد شكل من أشكال القبلية الحزبية والسياسية، ذلك أن عائلة واحدة باتت تحكم الدولة العبرية، وتقرر مصيرها، وهي «عائلة غولدن»، وهو الجندي الأسير لدى حركة حماس، التي رهنت أي قرار وعلى أي مستوى ابتداءً من الحرب وحتى التسهيلات بمصير أسيرها، في ظل عجز الزعامات والقيادات الإسرائيلية على مواجهة هذا الارتهان. من هنا، فإننا ننصح حكومة نتنياهو، إذا أرادت أن تنهي نقاشات المجلس الوزاري المصغر على قرارات، أن يضم ممثلاً عن «عائلة غولدن» إلى المجلس الوزاري المصغر!
نقلا عن الايام
[email protected]
أضف تعليق