من الواضح أن الإدارة الأميركية لم تتخلَ بشكل رسمي أو علني أو حتى سري عن صفقة القرن، وهي فقط أعادتها إلى الأدراج دون أن تنزع منها الحياة. بمعنى أنها فقط تنتظر الفرصة الملائمة لإعادة طرحها؛ على اعتقاد بأن القيادة الفلسطينية لا بد أن ترضخ في النهاية إلى الإملاءات الأميركية.
ولا شك في أن القدس عادت إلى الواجهة من جديد، سواء من خلال تصريح وزير الخارجية الأميركي الجديد مايك بومبيو بأن الإدارة الأميركية لن تحدد حدود القدس، وسيكون هذا الأمر مطروحاً خلال المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، أو من خلال ما سرّب من معلومات للصحافة الإسرائيلية عقب لقاء وزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان مع مسؤولين أميركيين، وعلى رأسهم جارد كوشنير صهر ومستشار ترامب وجيسون غرينبلات المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط.
المعلومات التي تم تناقلها بعد زيارة ليبرمان تقول: إن الإدارة الأميركية تطالب إسرائيل بفك الارتباط مع أربعة أحياء مقدسية ونقلها إلى السلطة الفلسطينية، وإن إسرائيل بهذه التنازلات المؤلمة (على حد تعبير المصدر الإسرائيلي) ستكون قدمت شيئاً حول القدس. الأحياء الأربعة المقصودة هي: شعفاط والعيسوية وجبل المكبر وأبو ديس.
سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ زمن تحاول التخلص من هذه الأحياء؛ باعتبارها شوكة عالقة في حلقها، لأنها تخل بالتوازن الديموغرافي، بصفتها أحياء مكتظة، دون أن يكون لها تأثير على الجغرافيا المقدسية لأنها بالأساس مرتبطة مع الضفة الغربية، وكل ما يمكن عمله هو إعادة جدار الفصل العنصري ليلتف حول هذه الأحياء، كما في أحياء أخرى، مثل: كفر عقب وحي السلام في عناتا ومخيم شعفاط.
وبالتالي، فإن هذا الأمر لا يمثل تنازلاً حقيقياً ولا تنازلاً مؤلماً، بل هو يحقق مطلب إسرائيل في الأساس، ليس من اليوم وربما من قبل اتفاقات أوسلو.
أيضاً لا نعرف لماذا حُشرت أبو ديس في هذه الأحياء، فهي تحت السيادة الفلسطينية، فكيف سيكون التنازل أم أن إدارة ترامب تجهل حقيقة وضع أبو ديس. الأخطر في هذا الموضوع هو أن إدارة ترامب ما زالت متمسكة بالصفقة، وأن كل ما قيل من موت هذه الصفقة أو إفشالها هو مجرد تخمين.
الأمر الآخر، هو إن إدارة ترامب تراهن على أنظمة إقليمية لدعم الخطة. وتعود مرة أخرى لاتخاذ إيران مبرراً، وهي أصبحت تخيّر الأنظمة العربية ما بين قبول التطبيع التدريجي، وصولاً إلى تفاهمات لإقامة علاقات قد لا تكون على مستوى رسمي. أي ما يطلق عليه السلام البارد، مع تواصل سري، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية والمخابراتية للتخلص من «البعبع» الإيراني، أو تركها وحيدة في مواجهة الفزاعة الإيرانية.
وما لا شك فيه أن تصرفات النظام الإيراني «نظام الملالي» وتصريحاته المستفزة، ومساعداته العسكرية لأحزاب وجماعات في المنطقة، إضافة إلى التدخل في سورية هي التي تعطي مبررات للأنظمة للاقتراب أكثر نحو إسرائيل؛ على أساس أنها ربما تكون الفيصل في مواجهة أو حرب على طهران تقودها واشنطن.
ولكن ما زالت المراهنة على الموقف الفلسطيني، الذي هو بالأساس القادر على تمرير هذه الصفقة أو إفشالها وإبقائها في الأدراج الأميركية حتى الفترة الحرجة من رئاسة ترامب، حيث ستكون هذه الإدارة في سنتها الأخيرة مهتمة أكثر بالانتخابات الرئاسية والتشريعية، ولن تبقى قضايا الشرق الأوسط على رأس الأولويات.
حسناً ما فعله المجلس المركزي في جلسته الأخيرة في رام الله، والمجلس الوطني في دورته الأخيرة، حيث تم تقييد القيادة الفلسطينية، من خلال قرارات ملزمة حول قضايا الحل النهائي وعلى رأسها القدس. وبالتالي لن تجد أميركا أو حلفاؤها من يقدم تنازلات في قضية القدس، خاصة البلدة القديمة والمقدسات الإسلامية والمسيحية، أو عدم إيجاد تواصل حقيقي بين الأحياء المقدسية في القدس الشرقية تكون فعلاً هي العاصمة للدولة الفلسطينية.
طبعاً، ولا بد من أن نتذكر ما صرح به دبلوماسي فرنسي إلى الصحافة، في شهر شباط الماضي، عندما قال: إن صفقة العصر أو خطة ترامب تتضمن إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على نحو 40% من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبمجرد معادلة حسابية، فإن كامل الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس المحتلة وقطاع غزة تشكل ما نسبته 22% من مساحة فلسطين التاريخية أي أن الفلسطينيين تنازلوا أصلاً عن 78% من أراضيهم. واليوم تريد واشنطن أن يتنازلوا عن 40% مما تبقى من 22%.
حقيقة أن صفقة العصر هي مجرد محاولة لفرض حكم ذاتي محدود في مجموعة من الكانتونات الفلسطينية التي تقطعها كتل استيطانية.
بناء عليه، فإن الفلسطينيين اليوم بحاجة إلى وحدة الصف ونبذ الخلافات والابتعاد عن المهاترات السياسية، أو البحث عن مكاسب ليست ذات قيمة أمام الحفاظ على القضية الفلسطينية وعلى رأسها القدس الشريف ودون ذلك فإننا فعلاً سنكون في نفق مظلم وسيكون هناك كثيرون ضدنا.
[email protected]
أضف تعليق