كتب : جلبير الأشقر
لقد اشتهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باتهامه الجميع بترويج «الأخبار الكاذبة» (fake news) بينما المعروف عنه أنه من أكبر مروّجيها. ومع أننا ندرك تماماً أن النفاق أداة من أدوات الحكم السياسي نادراً ما يعفّ عنها الحكام، فإن الرجل المقيم حالياً في البيت الأبيض يتميّز عن معظم زملائه بصفاقة نفاقه. وهي ميزة تحيل إلى الانفصام العظيم بين آرائه الغارقة في الرجعية واضطراره إلى مراعاة الأيديولوجيا السائدة الأكثر اعتدالاً، كما تحيل إلى قلة حنكته على الرغم من ادّعائه امتلاك فطنة خارقة.
وها أن ترامب يدّعي وللمرة الثانية أنه حريص على مصير الأطفال السوريين إثر الاستخدام المجدّد للسلاح الكيمياوي ضد منطقة من مناطق المعارضة السورية، وكأن تعرّض الأطفال لذلك السلاح أخطر من تعرّضهم لنار القنابل والصواريخ التي تنهار عليهم منذ سبع سنوات. هذا الرئيس الذي لا شهامة له ولا شرف كان قد أعلن قبل مدة قصيرة أنه لن يُبقي قوات بلاده في سوريا إلّا إذا دفع أجر بقائها حكام الخليج العرب، وقد أظهر بذلك التصريح جيش أعظم وأغنى دول العالم بمظهر المرتزقة المأجورين. هذا الرئيس الذي لا شهامة له ولا شرف كان قبل ذلك قد تباهى بحضور ولي العهد السعودي، وهو يستقبله في البيت الأبيض، تباهى ببيعه شتى الأسلحة للمملكة بمبالغ طائلة. وقد طلب من أعوانه إعداد لوحات تظهر صنف الأسلحة المعدّة للبيع وأثمان كل صفقة، فرفع اللوحات أمام عدسات المصوّرين وكاميرات شبكات التلفزة وكأنه يتوجّه حصراً لأمثاله من محدودي الفهم.
هذا الرئيس، الذي تخجل منه غالبية مواطني بلده، لا يهمه مصير أطفال سوريا على الإطلاق، مثلما لا يهمّه قط مصير أطفال فلسطين، ولا سيما أطفال غزّة الذين يتعرّضون للمجزرة تلو المجزرة على أيدي أحبائه الإسرائيليين، بل يقلق فقط على مصير هؤلاء الأحباء مهما كانت أعمارهم. لذا يعتبر كسلفه باراك أوباما أن السلاح الكيمياوي «خط أحمر» والسبب الجلي هو أنه سلاح ترى فيه الدولة الصهيونية تهديداً لأمنها، شأنه في ذلك شأن أي من أسلحة القتل الشامل، علماً أن لدى إسرائيل ترسانة عظيمة من شتى أنواع تلك الأسلحة.
وما كانت سرعة نظام آل الأسد وعرّابه الروسي إلى عقد اتفاق نزع السلاح الكيمياوي السوري في عام 2013 سوى تأكيد لعدم نية الطرفين إحداث أي أذى لإسرائيل. وقد رضيت الدولة الصهيونية بذلك التطمين، لا سيما أن كفيله وعرّاب الاتفاق كان حكم فلاديمير بوتين الذي تربطه بحكم بنيامين نتنياهو علاقة وطيدة. وقد بيّنت إسرائيل بكل وضوح أنها ترتاح تماماً لتدمير سوريا وقتل شعبها من قِبَل نظام الاستبداد الذي يرزح الشعب السوري تحت وطأته منذ ما يناهز نصف قرن، وأن جلّ ما يهمها اليوم في الوضع السوري هو تواجد قوات إيران وحلفائها الإقليميين، إذ تعتبر إسرائيل أن طهران ألدّ أعدائها.
لذا وبالرغم من أن الغارة الجوّية الأخيرة التي نفّذتها إسرائيل في سوريا أتت مباشرة بعد المجزرة الكيمياوية الجديدة، تبيّن بسرعة أنها لا تمتّ لهذه الأخيرة بصلة، بل تتعلّق حصراً بالموضوع الإيراني. وفي هذا المجال، لاحظوا أن المكلّف بالنفاق لدى بوتين، ألا وهو وزير خارجيته سيرغي لافروف، اكتفى بوصف الغارة الإسرائيلية بأنها «تطوّر خطير للغاية»، وهو تصريح مُبهم وليس إدانة. وكيف بموسكو تدين إسرائيل على غارتها وهي التي تنسّق معها وتؤذن بطلعاتها وغاراتها في المجال الجوّي السوري الذي تحميه أحدث الصواريخ المضادة للطائرات التي نشرتها روسيا على الأراضي السورية تحت إشراف قواتها.
خلاصة الحديث أننا ننتمي لمنطقة يستبدّ بها المنافقون، من الصغار الذين يتولّون حكمها إلى الكبار الذين يتنافسون على نهب ثرواتها بمعونة الأوائل. وكلّنا مدركون، ومن يدّعي أنه لا يدرك فمنافق هو أيضاً أو غبيّ.
[email protected]
أضف تعليق