تَزامُن ذكرى يوم الأرض لهذا العام مع مسيرة العودة السلميّة التي بدأت في غزة وامتدادها حتى شهر أيار حيث الذكرى الـ 70 للنكبة يحمل دلالات وإسقاطات كبيرة على شعبنا وعلى الصراع ضد الاحتلال، فقد جسّد يوم الأرض 1976 بطولات شعبنا وشجاعته ضد محاولات طمس الهوية وتهويد الأرض استكمالا لمشروع النكبة الاقتلاعي. وعندما خرج شعبنا في الداخل للاحتجاج والتظاهر ضد مصادرة عشرات آلاف الدونمات وما تبقى من أرضه على يد الحكومات الاسرائيليّة استعمل أدوات الاحتجاج والنضال المدني السلمي، لذلك كان الإضراب الشامل وكانت المسيرات والمظاهرات السلمية. ولكن بالمقابل تعاملت المؤسسة الأمنية والسياسيّة مع هذا الاحتجاج بعجرفة الأسياد وعقليّة القوة المسلحة والخطاب الأمني الدموي. لم يطيقوا ولم يحتملوا معارضة العربي الفلسطيني حتى لو كان بيده المفتوحة المبسوطة وصدره العاري وصوته الذي يصدح بالاحتجاج. لقد كشف يوم الأرض 1976 زيف مقولة "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، وقام جيش هذه الديمقراطية باعتداء دموي مسلّح على محتجين سلميين أرادوا إطلاق صرخة ألم واحتجاج.
هذه العقليّة الدمويّة جسّدتها مقولة قائد المنطقة الشماليّة في ذاك الوقت – رفائيل إيتان- الذي قال: "غدًا سأصعد وأدوس سخنين بالمدفعيّة والدبابات". هذا النهج الذي تقوده بوصلة عنجهية القوة والمنطق الأمني هو الذي تعاملت به إسرائيل مع العرب الفلسطينيين منذ النكبة. ووفقًا لهذا النهج فإن أي احتجاج أو إبداء تذمُّر وغضب يبديه العرب مهما كانت أساليبه وأدواته سلميّة ومدنيّة هو خطر أمني على دولة اسرائيل ويجب التعامل معه من خلال فوّهات البنادق والرشاشات.
واليوم وفي مسيرة العودة التي بدأها شعبنا الفلسطيني من حدود قطاع غزة تتعامل إسرائيل ومؤسستها العسكريّة مع هذا الفعل النضالي النبيل والسلمي بعقليّة دمويّة ونهج عدواني عسكري أوقع حتى الآن المئات من الجرحى والعشرات من الشهداء.
المؤسسة العسكريّة والسياسيّة في إسرائيل لا تستطيع أن تقف أمام نضال سلمي مدني عنيد يحرجها أمام العالم ويعيد إلى ذاكرة وطاولة الضمير العالمي قضية اللاجئين الفلسطينيين كقضية عادلة تريد إسرائيل ومن حالفها طمسها وتناسيها، والذين تتحمل إسرائيل مسؤولية نكبتهم وتهجيرهم ولجوئهم وتدمير مدنهم وقراهم. ولذلك، لجأ الجيش الإسرائيلي إلى قوة السلاح وأمطر المظاهرات السلميّة بالقنابل والرصاص تحت نفس الذريعة التي اختبأ وراءها منذ عام 1948 وهي ذريعة الأمن والإرهاب وعمليات عسكرية ضد إسرائيل. إنّ محاولة شرعنة استعمال القوة ضد مسيرة العودة في غزة واتهام الضحيّة هو أسلوب تقليدي اعتمدته إسرائيل دائما ضدنا كعرب وضد نضالاتنا وكفاحنا المشروع في مواجهة سياساتها العدوانيّة والتعسفيّة.
في ظل هذه الأحداث المتدحرجة، وفي ظل حكومة نتنياهو القوميّة المتطرفة، وفي أجواء كل ملفات الفساد التي يواجهها نتنياهو، ومن أجل إجهاض مسيرة العودة وأهدافها، من غير المستبعد أن تكون رصاصات قناصة الجيش الإسرائيلي مقدمة لعدوان شامل على أهلنا في قطاع غزة.
إنّ ما فرضته مسيرة العودة السلميّة على أرض الواقع حتى الآن يُحتّم علينا كشعب فلسطيني في كل أماكن تواجده أن يتعالى على الخلافات وأن يقف كالجسد الواحد نصرة لقضيته العادلة في هذا الوقت الحسّاس والخطير. إنّ المسؤولية تتطلب إتمام المصالحة والتحام البيت الفلسطيني تحت قيادة ترتّب مشروعَ مقاومته لصفقة القرن ولمحاولة طيّ صفحة القضيّة الفلسطينيّة على يد أمريكا وإسرائيل ومن لحق بهم وتعاون معهم من الأنظمة العربيّة.
واليوم في ذكرى يوم الأرض، ومع مسيرة العودة، ولاحقا حتى ذكرى النكبة، سيبقى شعارنا وعنوان نضالنا العادل أنّ قوة الحق عاجلا أم آجلا سوف تنتصر وتعلو على حق القوة.
[email protected]
أضف تعليق