تتزامن هذا العام مناسبتان مميّزتان للمواطنين اليهود والعرب. فبينما ستشارك إحدانا في المظاهرة القطرية في عرابة، لإحياء الذكرى الثانية والأربعين لأحداث يوم الأرض، سيلتئم الآخر مع أبناء عائلته حول مائدة ليلة عيد الفصح اليهودي في قرية في العربة. في سخنين سيتم احياء ذكرى اليوم الذي احتجّ فيه المواطنون العرب عام 1976 على مصادرة أراضيهم، حيث أعلنت الحكومة في حينها أن المظاهرات غير قانونية وأبطلت الحق الشرعي في الاحتجاج، وأردت الشرطة 6 متظاهرين قتلى برصاصها بينما أصيب واعتقل المئات. في العربة سيروون قصة الخروج من مصر ومن العبودية للحرية.
البلدة في العربة هي واحدة من بين 700 – مدينة، بلدة تطوير، كيبوتس، قرية وبلدة تعاونية –أقامتها الدولة للمواطنين اليهود منذ العام 1948. منذ قيام الدولة ازدادت المجموعتان السكانيتان بمعدلات مشابهة – عشرة أضعاف تقريبًا – ورغم ذلك لم تُقم للمواطنين الفلسطينيين أي بلدة، ولو واحدة، جديدة – إلّا البلدات التي أقيمت للمواطنين العرب البدو الذين تم إخلاؤهم من أراضيهم في النقب.
إقامة بلدة هي عملية سلطوية هامة ترصد لها موارد طائلة، والمنوطة بتخصيص الأراضي والميزانيات للبنى التحتية. لكن أيضًا هذه الأرقام الصارخة، 700 لليهود مقابل 0 للعرب، تشير الى جزء بسيط من التمييز ضد المواطنين الفلسطينيين بما يخص الأراضي. حيث ان عددا كبيرا من هذه الـ700 بلدة اقيم على أراضٍ تمت مصادرتها من المواطنين العرب – بدءًا بموجة مصادرة ملايين الدونمات في العقد الأول للدولة، وصولاً إلى مصادرة الأراضي في الجليل خلال السبعينيات. بينما هناك أراض أخرى قد جرت مصادرتها من المواطنين العرب تقف متروكة وتقبض قلوب وأرواح أصحابها الاصلانيين كل يوم بيومه.
بهدف الاحتجاج ضد مصادرة الأراضي، أعلنت قيادة الجماهير العربية يوم الـ30 من آذار 1976 يوم احتجاج. منذ ذاك اليوم، يحيي المواطنون الفلسطينيون سنويًا ذكرى يوم الأرض والمصادرات التعسفية وقمع حرية الاحتجاج، وإنكار الغبن وعدم اتخاذ أي خطوات لتصحيحه.
هناك من يعتبر المصادرات واسعة النطاق والتمييز ضد العرب في موضوع الأراضي حدثا تاريخيا مأخوذا من الماضي فحسب، أو يظنون أن الاستثمار الحكومي في تطوير تشغيل المواطنين الفلسطينيين وتقليص الفجوات في التمويل كافية من أجل تطوير المساواة الحقيقية ومعالجة العلاقات بين المجموعتين. إنما هذه معتقدات خاطئة لا تأخذ بعين الاعتبار جوانب ثلاثة.
أولاً، ما انفك التمييز ضد المواطنين العرب في مجال الأراضي متواصلا حتى اليوم. صحيح أنه قد تقلّص نطاق مصادرات الأراضي منذ أواخر السبعينيات، لكنها أبدًا لم تتوقف، ومنذ ذاك الحين، لم تُتخذ أي خطوة لتصحيح الغبن، بل ما زال يجري تفضيل اليهود في الحقّ بالأرض وبقوة، وحتى هذا اليوم – تقام بلدات لليهود فقط. تسجّل هذه الممارسات اليوم رقمًا قياسيا في الظلم، العنف وفقدان العدالة. في الأسبوع الماضي وُزّعت أوامر هدم لسكّان البلدة العربية البدوية أم الحيران، كما أعلنت الدولة عن نيّتها هدم القرية الشهر المقبل وإقامة البلدة اليهودية حيران على أنقاضها- وتأتي هذه الخطوة تساوقا وسياسة تصعيد عمليات الهدم في النقب التي ضوعفت في العام المنصرم.
ثانيًا، ما زالت المصادرة تؤثر بشكل عمليّ على الحياة اليومية للمواطنين الفلسطينيين. فالعديد منهم لا يملكون الأراضي لبناء بيوتهم عليها؛ مسطحات النفوذ للبلدات العربية محدودة، ولذا فهم يخنقون البلدات ولا يتيحون التطوير اللائق للجمهور الآخذة أعداده بالازدياد. كل هذه الأسباب تخلق الأزمة الحادة في الإسكان، البناء غير المرخصّ، الاكتظاظ والفقر.
ثالثًا، تحمل الأرض بعدًا رمزيًا قويًا. الأرض هي التواصل الطبيعي بالوطن، وهذا التواصل عينيًا هو ما تحاول السلطة منعه لكنه يأبى أن يضعف؛ لا يولّد انتهاك حقوق المواطنين العرب في الأرض إلا المزيد من الغضب والإحباط، وهو جرح نازف في العلاقات اليهودية-العربية. لكن المستقبل في هذه البلاد، التي يرى اليهود والعرب فيها وطنًا، هو مستقبل مشترك. ومن أجل أن يكون أفضل، على الدولة علاج قضية الأراضي والاعتراف بالظلم التاريخي الذي سببته المصادرة.
الاعتراف بالظلم هي الخطوة الأولى وحسب. من الممكن والضروري تطوير المساواة والعلاقات الطيبة بين المجموعتين من خلال بعض الخطوات العملية. بداية السيرورة قد تكون في إرجاع الأراضي التي صودرت ولم تستعمل، إقامة بلدات عربية جديدة وتوسيع مسطحات النفوذ للبلدات العربية القائمة، تسريع مسارات التخطيط، بناء وتطوير البنى التحتية في البلدات العربية، الاعتراف بالبلدات غير المعترف بها في النقب، تطبيق تعهّد الحكومة وقرار المحكمة العليا بالسماح لأهالي إقرث وبرعم العودة لقراهم وخطوات أخرى.
في نفس اليوم تحديدًا، سينشغل كلٌ من شعبي هذه البلاد هذا العام بعلاقته مع وطنه، شعبه وحريته. على الأغلب، فإن وجهات النظر في سخنين وعلى موائد ليلة عيد الفصح ستكون مختلفة بل متناقضة. يدور معظم النزاع بين اليهود والعرب حول الأرض، وهو بعيد عن الحل. لكن حان الوقت لأن تقوم الأغلبية اليهودية بالتصرّف بشكل عادل أكثر تجاه المواطنين الفلسطينيين، الاعتراف بالغبن التاريخي وتسيير خطوات لإصلاحه. ليست هذه قضية عدل فقط بل مصلحة كذلك؛ خطوات من هذا النوع ستمهّد الطريق أمام مستقبل أفضل لجميع مواطني الدولة، العرب واليهود على حدّ سواء.
الكاتبان هما المديران العامّان المشاركان لجمعية سيكوي – الجمعية العربية اليهودي لدعم المساواة والشراكة في البلاد.
[email protected]
أضف تعليق