في أجواء المرحلة الراهنة من الصراع بين الكنيسة المقدسية الارثوذكسية والطغمة اليونانية، تبرز بعض النزعات الغريبة على كنيستنا وقيمنا، ولكن، كي لا نندم في المستقبل، لا بد من الإشارة اليها، والتحذير من عواقبها، ولو على عجالة، والعمل على اقتلاعها قبل ان تمد جذورها عميقا في النفوس الضعيفة.
التكفير والاتهام بالإلحاد
منذ انطلاق الموجة الحالية من نضالنا الطويل ضد الاستبداد اليوناني، نشهد خلطاً مقصودا بين مصطلحين أساسيين في حياتنا، بين مفهوم "الكنيسة"، وهي مجموع المؤمنين بموجب التعريف الكنسي، ومفهوم "البطريركية"، وهي الهيئة الإدارية للكنيسة. وعليه، فكلما وجهنا النقد او الإتّهامات الى البطريركية اليونانية، وكشفنا عورات أعضائها، ادعت الابواق المأجورة بأننا نهاجم الكنيسة. وإذا ما وصفنا المجمع اليوناني بمجمع "اللصوص"، لأن شغله الشاغل هو تسريب الأوقاف ونهب مقدرات كنيستنا، اتهمَنا البعض بأننا نعتدي على أبناء الكنيسة جميعا، حتى وصل بهم الأمر الى اتهامنا بمعاداة الكنيسة والعقيدة، واتهامنا بالهرطقة والإلحاد، مع الإشارة الى ان بعضنا لا يشارك في الصلاة والصيام! لم تقتصر هذه الاتهامات على نشطاء الحراك الوطني الأرثوذكسي، بل طالت اوساطا أخرى، وفي الأيام الأخيرة تسمع أصوات تطالب بمنع فلان او علان ، او مجموعة ما، من حمل الصليب خلال صلاة خميس الأسرار، بحجة انه، أو انهم، "لا يصومون" أو"لا يشاركون في الصلاة"... و ما الى ذلك. هل يمكن ان يُفهم هذا النهج المدعوم من ثيوفيلوس وأعوانه من الكهنة، الا تكفيرا على نهج الإخوان المسلمين ؟
تقديس الشخصية
تأكيدا على ان الأمر نهج وليس قولا عابرا، نشير ان الطلقة الأولى لهذا النهج كانت في المؤتمر الصحفي الذي عقده ثيوفيلوس في عمان يوم 12 آب 2017 وكان الأرشمندريت خريستوفوروس متحدثا باسمه، فوصفه ب"خليفة صفرونيوس ويعقوب أخ الرب" وان قدسيته تأتي من "حلول الروح القدس عليه"، وانه "مثل البابا في روما"، ناسيا، خريستوفوروس، او متناسيا أن الخلاف العقائدي الأساس بين الكنيستين الكاثوليكية والارثوذكسية ينبع من اعتبار الكاثوليكية للبابا على انه "خليفة يسوع المسيح"، بينما لا تعترف الارثوذكسية بخليفة ليسوع ، ومتناسيا انه لا يحق لأحد، كان من يكون، ان يقدس اكليريكيا وهو على قيد الحياة. فهل نسي خريستوفوروس ذلك ؟ أم انه قصد تقديس الشخص المسمى ثيوفيلوس لدفع الاتهامات والفضائح عنه وتكفير من ينتقده؟ يبدو واضحا ان هذا الخلط ليس صدفة او زلة لسان، بل مقصود، وهدفه تضليل البسطاء والجهلة، أما التكفير فهو نهج الضعفاء المفضوحين، وهدفهم تحويل الأنظار عن الجرائم التي ترتكبها الطغمة اليونانية بحق أبناء الكنيسة ووجودهم ومستقبلهم. قد يحسب أحدهم انه سيعيدنا الى القرون الوسطى ومحاكم التفتيش، وان دخول الجنة يحتاج الى صكوك الغفران من راهب يوناني؟
مسيرات الحجيج والتقاط الصور
لا ينفصل هذا النهج عن ممارسات أخرى نشهدها في الأسابيع الأخيرة ومتمثلة "بحجيج" الى دار البطريركية، وأخذ الصور مع ثيوفيلوس، في تحدِّ قَزَميّ لقرارات المؤتمر الوطني لدعم القضية الارثوذكسية، في بيت لحم، يوم الأول من أكتوبر2017 . لقد شَعَرَت الطغمة اليونانية بهول هذه المقاطعة غداة عيد الغطاس والميلاد المجيد ورأس السنة، إذ لم يقم أي من أبناء الكنيسة ولا أي من الكهنة العرب بتهنئة ثيوفيلوس بالأعياد، فجُن جنونه، كما يقول مقربون، واٌضطره الى الاستعانة بالثعلب الكبير، المدعو ايلاريون، مطران دير جبل الطور، ومن خلاله برؤساء اللجان المحلية وبعض المنتفعين، لتسيير وفود، ولو كانت صغيرة، بذرائع مختلفة، الى البطريركية لالتقاط الصور مع ثيوفيلوس ونشرها للعالم، مدعيا ان المقاطعة الشعبية غير قائمة، وحين لم يقنع ذلك أحدُ، عمل بعض الكهنة المتعاونين مع ايلاريون او غيره، مع بعض المستزعمين من أبناء الكنيسة، على تسيير رحلات، تبدو في الظاهر دينية، الى القدس، يعرجون خلالها على دار البطريركية لالتقاط الصور مع الجالس على كرسي البطريركية عنوة واستبدادا. مثل هذه الأساليب الرخيصة شهدناها منذ الأيام الأولى لحكم ثيوفيلوس عندما سيروا الباصات المجانية الى القدس في "رحلة حج"، وجمعوهم على وجبة غداء مجانية على حساب الكنيسة في فندق نوتردام، لتخرج وسائل الاعلام لاحقا تقول: انه "مؤتمر للتضامن مع ثيوفيلوس"! وهو ما أسميناه آنذاك "مؤتمر الطبيخ". هذا النهج ليس غريبا عن أي استعمار، وهو يهدف الى خلق صراعات داخلية بين أبناء الكنيسة الواحدة وحتى بين الاخوة في البيت الواحد. أما الغريب هو ان يتحول، من يقبل من أبناء الكنيسة، الى قطيع يقوده منتفع او منافق، ونحن على ثقة ان الغالبية العظمى من المشاركين في هذه "الرحلات"، سيرفضون المشاركة في المهزلة المرسومة لهم.

هنا، لا بد من التذكير بنهج الاحتقار الذي يكنه ثيوفيلوس، كغيره من الطغمة اليونانية، لأبناء الكنيسة العرب، بهدف تشويه انتمائهم القومي والوطني، لحساب الانتماء الطائفي الضيق، المنغلق والمُكفّر، على الطريقة الاخوانجية،. يخطئ من يعتقد اننا ننسى ما نشره موقع "الرومفيا" اليوناني، عن مقابلة لثيوفيلوس مع الاذاعة التابعة للكنيسة اليونانية، في 27/4/2010 يقول فيها: "إن بطريرك القدس لا يحمل صفة كنسية فقط، ولكن صفة قومية أيضًا، ويظهر لرعيته كزعيم قومي، وبالتالي فإن مسيحيي فلسطين والشرق الأوسط، يشكلون كياناً مميزاً، قوميًا - دينيًا محضاً، وهذا الكيان هو الروم". ويضيف: إن المسيحيين، خصوصًا مسيحيي الشرق الأرثوذكس كانوا دائمًا يشكلون طائفة وكيانا قوميًا-دينيًا".
ليس هذا وحسب، بل يقول ثيوفيلوس ايضا: "إن ما أريد تأكيده، أن الناطقين باللغة العربية في الشرق الأوسط يواجهون أزمة هوية، لأنهم فقدوا نقطة الارتباط بتاريخهم بسبب الجهل وعوامل أخرى عديدة، فليس عندهم إحساس وضمير تاريخي..."، و"عليه فإن البطريركية وأنا شخصيًا نبذل جهودا كبيرة حتى نساعد هؤلاء الناس ليكتشفوا هويتهم". فهل يتذكر "الوطنيون" هذا؟
من شدة احتقاره لأبناء الكنيسة العرب، كتب ثيوفيلوس، في السنة نفسها، كلاما مشابها باللغة العربية، على صفحات المجلة التي يطبعها على حساب الكنيسة، ويوزعها في الكنائس كل مطلع شهر، تحت عنوان: "الروم، انتماء يدوم ويدوم". فيقول: "كان وما يزال اسم الكنيسة هو كنيسة الروم الارثوذكس لأن هذه الكنيسة تدل بشكل قاطع وصريح للغاية عن ماضيها وعراقتها وأصلها وانتمائها وتاريخها، فمجرد التفكير بكلمة عرب ارثوذكس، والتي ليس لها أي أصل تاريخي أو حضاري أو ثقافي يعتبر دخيلا، لا بل خطأ كبيرا، وتدخلا أجنبيا تحت اسم الوطن والوطنية". هل يسمع الوطنيون او يقرأون؟
لا غرابة ان بعض المنافقين من الكهنة او غيرهم يرددون هذا الكلام، ويبدعون في تضليل الناس البسطاء، ولا غرابة ان يجتمع المنافقون في حضرة سيدهم رغم خلافاتهم التي تصل الى حد القطيعة والعنف. وما لم يوضع حد لهذا الاستهتار، سيجد المؤمنون أنفسهم في خانة "الإخوان" المسيحيين او "الدماديش" مثل "الدعاديش"، على اختلاف اشكالهم وارتباطاتهم المادية والسياسية.


الجليل- 22/3/2018

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]