منذ قرار الرئيس الأميركي الشعبوي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والمدينة في قلب عاصفة لم تهدأ.
لقي هذا القرار ترحيباً كبيراً من الحركة الصهيونية التي اعتبرت أن ترامب أهم رئيس أميركي بالنسبة لإسرائيل باعتبار أنه قدم لإسرائيل أكثر مما قدمه قادة يهود أو صهاينة.
ترامب المحاصر بمجموعة من المستشارين اليهود أو المقرّبين من الحركة الصهيونية أو من الكنيسة المسيحية المتصهينة (والتي تضم مجموعة الأنجليكان الأكثر يمينية وتطرفاً وتؤمن بضرورة دعم دولة إسرائيل من أجل التسريع بعودة المسيح المخلّص) لا يمكنه التعامل كوسيط نزيه مع قضية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي في ظل هذا الانحياز المطلق.
بعد الاعتراف الأميركي، ازدادت وتيرة تهويد القدس بتسارع، فقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية خلال الأشهر الماضية عن إقامة آلاف الوحدات الاستيطانية على أراض فلسطينية محتلة ضمن المخطط الهيكلي لمدينة القدس، وفي المناطق المحيطة بالمدينة داخل جدار الفصل العنصري وخارجه، وتعدت ذلك إلى الإعلان عن إقامة مستوطنة جديدة على أراضي بلدة قلنديا أو ما تطلق عليه سلطات الاحتلال بالعبرية منطقة «عطروت»، والتي هي بالأساس أرض مطار قلنديا.
إضافة إلى الاستيطان تسارعت، أيضاً، عمليات الاستيلاء على العقارات الفلسطينية في البلدة القديمة من القدس وفي حي سلوان المجاور للمسجد الأقصى، وعملت جمعيات الاستيطان المختلفة بكامل طاقتها وبتمويل ضخم، خاصة من رجال أعمال يهود في الولايات المتحدة وأوروبا، على الاستيلاء على العقارات الفلسطينية بجميع السبل المتاحة وعلى رأسها التزوير.
على الرغم من هذه الإجراءات العدوانية المتواصلة على القدس العربية وعلى الفلسطينيين، فإن أثرها حسب الاعترافات الإسرائيلية ما زال محدوداً، فعدد الفلسطينيين في القدس العربية في ازدياد مستمر على الرغم من الإجراءات الإسرائيلية والحرب الممارسة ضد الفلسطينيين اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وغير ذلك.
حاولت سلطات الاحتلال التخلص من جزء من المقدسيين بإقامة جدار الفصل العنصري الذي يلتف كالأفعى حول الأحياء المقدسية، خاصة شمال القدس.
جدار الفصل تعمّد إخراج أحياء مقدسية كاملة مثل مخيم شعفاط وحي السلام والأحياء المجاورة، وامتد ليعزل منطقة قلنديا وكفر عقب وجزءاً من حي أم الشرايط خارج الجدار.
اعتقدت القيادات اليمينية في الحكومة الإسرائيلية أنها استطاعت عزل أكثر من 140 ألف مقدسي عن القدس، وحاولت ربط حياتهم بالأحياء الفلسطينية المجاورة الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية، على أساس تخلصها من هذا العبء الديمغرافي.
حتى هذه الخطوة بدت غير كافية، فارتفعت الأصوات العنصرية الحاكمة في إسرائيل مطالبةً بإعادة النظر في وضع المقدسيين خارج منطقة الجدار وتحويل هذه الأحياء من سيطرة ما يسمى بلدية الاحتلال إلى سيطرة الحكم العسكري الذي كان سائداً على الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) منذ العام 1967 وحتى إقامة السلطة الوطنية في العام 1994.
هذه الخطوة أطلق عليها الإسرائيليون اسم تقسيم السكان، بمعنى أنه يمكن القبول بهذا المبدأ من خلال ضمّ المقدسيين وأحيائهم الواقعة وراء الجدار إلى السلطة الفلسطينية، وسحب هويات الإقامة، وفك الارتباط الإسرائيلي مع هذه الفئة التي قد يصل عددها إلى 200 ألف مقدسي وإبقاء جزء من المقدسيين على حالهم، وخاصة من يقيمون في البلدة القديمة أو الأحياء المجاورة لها.
التقسيم الإسرائيلي يطال السكان دون الأرض، فالقدس يجب أن تظل موحدة بأرضها تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.
وبالتالي، فإن المعادلة الجديدة تعني أن أكثر من نصف المقدسيين يجب أن يكونوا خارج المعادلة الإسرائيلية، والنصف الآخر يجب ألا يزيد على 20% في أحسن الأحوال من المقيمين في القدس المحتلة عام 1967 أو تلك الأراضي التي كانت تحت السيطرة الإسرائيلية منذ العام 1948.
وبالتالي خلال عقد من الزمن ستكون القدس يهودية بشكل كامل مع أحياء عربية متناثرة هنا وهناك كجزر صغيرة معزولة ومهملة. أما الأماكن المقدسة فإن التقسيم المكاني والزماني سيكون قد تحقق بشكل كامل لليهود، ولا بأس في أن يصلي المسلمون ليس من الدول العربية فحسب ولكن ربما من منطقة الواق واق لفترة زمنية ثم يغادروا.
الخطط الإسرائيلية فشلت سابقاً والخطة الجديدة لن يكتب لها النجاح لأن الفلسطينيين المقدسيين تعلموا درساً قاسياً وهو أنهم لن يغادروا مدينتهم مهما كان الثمن.
[email protected]
أضف تعليق