سارع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بحمل حقائبه بصحبة زوجته لمغادرة الدولة إلى الولايات المتحدة، بعد خمس ساعات طويلة وعسيرة قضاها، يرد على استجواب المحققين معه حول ما بات يعرف بالملف 4000 ـ بيزيك، في وقت كان محققون آخرون يستجوبون زوجته في أحد مقرات الشرطة حول الملف 1000، وعلى الأغلب فإن الزوجين نتنياهو، تنفسّا الصعداء وهما يربطان أحزمة الأمان وهما على متن الطائرة التي ستقلهما إلى العاصمة الأميركية واشنطن، في وقت تتزايد فيه الاحتمالات بإقدامه على اتخاذ قرار بعقد انتخابات برلمانية مبكرة عوضاً عن مطالبات من المعارضة بالاستقالة.
قد يبدو للوهلة الأولى وفي ظل موجة الملاحقات القضائية والتحقيقات المتواصلة على خلفية شبهات مشاريع نتنياهو، أن هذا الأخير، في حالة ضعف أمام الرئيس الأميركي ترامب، إلاّ أن الأمر، كما نرى، على خلاف ذلك، فترامب، أيضاً، يمر بمرحلة بالغة الصعوبة والضعف، فأركان البيت الأبيض وإدارته، تشهد المزيد من الاستقالات والإقالات، وفضائح العائلة ليست أقل من فضائح آل نتنياهو، بينما العوامل المشتركة بينهما لا حصر لها، من معاداة المعارضة، والصحافة والقضاء، وهي عوامل تجمع كلاً منهما على مواقف متشابهة إلى حد كبير، وهو ما يجعلهما أكثر اقتراباً من بعضهما البعض، في اطار السياقات ذات الطبيعة الشخصية لكل منهما!
في وضع كهذا، سيجد كل منهما إسناداّ في هذه الظروف الصعبة من الآخر، وبينما قدم ترامب أفضل ما يمكن أن يقدمه لدعم صديقه المقرب نتنياهو، بالإعلان عن الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للدولة العبرية، وتقليص دعم وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، وازالة ملفي القدس واللاجئين من أجندة أية مفاوضات قادمة، الأمر الذي حاول نتنياهو، من خلال هذه الهدايا، أن يعتبرها إنجازاً سياسياً كبيراً يمكن معه التغاضي عن بعض "الزلات" التي أدت إلى جملة التحقيقات معه من خلال تسريبات إعلامية تهدف إلى إسقاطه.
إلاّ أن نتنياهو يأمل بالمزيد، وهو على حق في هذا الأمل، فترامب بحاجة إلى أن يتقدم بالمزيد من الهدايا، لأنه يطلب بالمقابل ثمناً مقابلاً، يعرف نتنياهو هذا الأمر جيداً، لذلك فإنه سيعاود بحث الملفات الصعبة، الملف الإيراني والملف الفلسطيني، فإضافة إلى مطالبة نتنياهو لصديقه ترامب بالوفاء بالالتزامات التي كان قد أعلن عنها في حملته الانتخابية بالخروج من اتفاق إيران النووي وإسقاطه، فإن نتنياهو سيطالب، أيضاً، بقيادة أميركية لتحالف شرق أوسطي يضم ما يسمى "بالدول السنّية" في مواجهة مع إيران، تلعب فيه إسرائيل دوراً بالغ الأهمية وبحيث تتغير خريطة المنطقة على أسس دينية طائفية، تسهم في دعم الرؤية الإسرائيلية حول يهودية الدولة العبرية.
أما على الملف الفلسطيني، فقد شعر نتنياهو بالغطرسة، عندما استجابت واشنطن بالإسراع بنقل سفارتها إلى القدس المحتلة، خلافاً لتصريحات ترامب نفسه ووزير خارجيته والطاقم السياسي في البيت الأبيض، إلاّ أن رئيس الحكومة الإسرائيلية سيطالب إدارة ترامب بحثِّ دول أخرى صديقة أو حليفة للولايات المتحدة، لنقل سفارتها، أسوة بالولايات المتحدة إلى القدس المحتلة وتنفيذ التهديد بالدعم المالي الذي تمت الإشارة إليه كتهديد من قبل الرئيس الأميركي ومندوبته في الأمم المتحدة نيكي هايلي، الأمر الذي من شأنه إضفاء مصداقية على ادعاء نتنياهو بأن دولاً إضافية عديدة ستنقل سفارتها إلى القدس المحتلة، لإنجاز سياساته وعلاقته الدولية، رغم ملفات التحقيقات والملاحقة القضائية.
إلاّ أن نجاح نتنياهو على هذا الصعيد يكمن في إقناع ترامب وإدارته بضرورة دعم إسرائيل بضم الضفة الغربية، وهو أمر كان مختلفاً عليه حتى الآن، ويمكن التحايل على هذا الخلاف من خلال الاتفاق الكامل بين الجانبين حول ما يسمى بصفقة القرن، وفي الجوهر منها مصير الضفة الغربية في هذه الصفقة.
بالمقابل، فإن ترامب الرازح تحت جملة من المشكلات، سيطلب دعما أكثر من اللوبي الصهيوني وممارسة ضغوط أكثر على أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لعدم مضايقة ترامب وإدارته، خاصة وان القمة التي ستعقد بين نتنياهو وترامب، تتوازى مع مؤتمر "ايباك" السنوي، وهو داعم تقليدي للإدارة الأميركية، باستثناء إدارة أوباما السابقة!
[email protected]
أضف تعليق