الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يمكن له أن يكون "ديغول فرنسا" الجديد، لما لشخصيته وحضوره من ميزات قل أن تجدها في زعيم حالي، وبخاصة أن طبيعة الظروف التي احاطت بانتخابه فريدة، وخرج بدون دعم الاحزاب التقليدية، ويحظى بشعبية كبيرة ليس فقط في فرنسا وإنما في عموم أوروبا والعالم، عدا عن أنه شاب في مقتبل العمر، وله مواقف سياسية متقدمه في القضايا الدولية، حيث يمكن القول بأن جذور هذه المواقف نابعة من ايمان ماكرون بمبادئ الثورة الفرنسية القائمة على الحرية والمساوة والاخاء، ويعمل على تجسيد هذا الشعار على صعيد العلاقات الدولية من منطلق أن هذه المبادئ ستجلب الأمن والسلام العالمي، ولا حاجة للدلالة على هذا الأمر بمواقفه المعلنه من الموضوع السوري، والاتفاق النووي الايراني، وكذلك الحال فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
إن تمسك فرنسا بموقفها الداعم لحل الدولتين، وتأكيدها على أهمية قيام الفلسطينيين بالرد على ما يسمى "صفقة القرن" واستعداد فرنسا، في حال إن كانت هذه الصفقة لا تلبي طموح الفلسطينيين، أن تقدم خطة بديلة، يعطي إشارات كثيرة بأن فرنسا لا تريد أن تحل مكان أمريكا، ولكنها في ذات الوقت تريد أن تكون لاعبا أساسيا في حل الصراع، لأنها تدرك تماما حجم الخطورة في استمرار هذا الوضع على ما هو عليه، لأن استمرار الاحتلال يعني استمرار المعاناة والتوتر وانعدام الأمن.
فرنسا ومن خلال موقعها المميز في الاتحاد الاوروبي، وفي تأثيرها على العديد من دول العالم، وبخاصة في افريقيا، وفي أمريكا اللاتينية، وأيضا علاقاتها المميزة مع روسيا الاتحادية ومع جمهورية الصين الشعبية، والتي جدد بنيتها الرئيس ماكرون يؤهلها لأن تكون لاعبا مهما في إعادة تحريك مبادرة فرنسية جديدة، تؤدي إلى تجسيد حل الدولتين، من خلال تحشيد الدعم العالمي لهذه المبادرة المفترضة، التي لها أيضا أن توقف جنون نتنياهو – ترامب، بعد أن أكدت أمريكا ما كان مؤكدا بأن سياستها قائمة على الانحياز التام لدولة الاحتلال، واتخاذها القرار المشؤوم بالاعتراف بالقدس عاصمة لهذه الدولة، وما تبع ذلك من إجراءات "عقابية" بحق السلطة الوطنية الفلسطينية من أجل القبول بهذا القرار والتي من أهمها تجميد دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، كبداية لتصفية القضية الفلسطينية من خلال إخراج القدس، واسقاط حق العودة من أية مفاوضات قادمة، وهذا لن ينهي الصراع بل سيقود إلى مزيد من التوتر وانعدام الأمن في المنطقة والاقليم والعالم بشكل عام.
الدور الفرنسي مطلوب ومرغوب، بعد أن أثبت الرئيس ماكرون بأنه قادر على الفعل وراغب في تحقيق بناء عالم قائم على أساس العدل والتعاون المشترك في سبيل ارساء قواعد الأمن الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية والرخاء على أساس أن الجميع شركاء في انقاذ البشرية، ولا شك بأن هذا التوجه يلتقي مع ما تسعى إليه قوى عظمى في العالم مثل الصين التي تبنت خطة طريق الحرير القائمة على التعاون من أجل التنمية، وهنا تلتقي هذه المصالح التي تخدم الجميع، والكل يدرك بأن ذلك يمكن أن يتحقق إذا ما انتهى آخر احتلال على وجهة الأرض، فحل القضية الفلسطينية هو أساس أي تنمية وتعاون قادم في المنطقة والاقليم، لذلك فإننا ندعو فرنسا والرئيس ماكرون إلى مزيد من الانخراط في هذا الجهد.
فرنسا التي كانت ومن خلال اتفاقية سايكس بيكو قد ساهمت في تقسيم المنطقة العربية، وفرنسا التي كانت قد ساهمت في دعم دولة الاحتلال وتزويدها بالسلاح وبناء مفاعلها النووي، يمكن لفرنسا أن تعيد بناء الأمن والسلام وأن تقوم في تجديد مبادرتها، التي اطلقتها عام 2016، بالدعوة إلى مؤتمر جديد يكون هدفه تحشيد الدعم الأوروبي والدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967، فمن شأن ذلك أن يحافظ على مبدأ حل الصراع على أساس الدولتين، وأن يقف في وجه ما تسعى إليه حكومة الاحتلال في فرض الأمر الواقع وتحويل الأرض المحتلة إلى معازل سكانية وإنهاء أي أمكانية لقيام دولة فلسطينية، مما سيعقد الصراع ويبقي على حالة التوتر وانعدام الأمن في المنطقة والعالم.
[email protected]
أضف تعليق