الأغوار الشمالية سلّة الغذاء الفلسطينية، والمصدر الأكبر للمياه الجوفية، والاحتياطي الأهم لما تبقى من أرض فلسطينية قابلة للتنمية والتطوير، والحدود الشرقية مع الشقيقة المملكة الأردنية.
ربما هذه الصفات والامتيازات للأغوار الشمالية لم تشفع لها لأن تكون ضمن الاهتمامات الأكثر أولوية وربما بعد القدس مباشرةً، فسيطر عليها سرطان الاستيطان والتهويد، وأصبحت السلة الغذائية بأيدي المستوطنين الذين يعيثون فيها فساداً.
في الأغوار الشمالية يوجد اليوم 7 مستوطنات و3 بؤر استيطانية ستتحول أيضاً إلى مستوطنات بعد أن تشرعنها سلطات الاحتلال وفق مواصفاتها للمستوطنات "الشرعية"، علماً أن الاستيطان بمختلف بأشكاله غير قانوني، فهو ليس سوى سرقة ونهب للأرض الفلسطينية.
في الأغوار سياسة التهويد الصامت تتم من خلال مجموعة من الإجراءات الإسرائيلية المتواصلة على مدى أكثر من 50 عاماً، هدفها الأساس التهجير القسري والتطهير العرقي للفلسطينيين، وفي المقابل مضاعة المستوطنات عدداً ومساحةً، وزيادة عدد المستوطنين الذين يتم إحلالهم هناك مكان السكان الأصليين.
آخر إجراءات التهويد الاستيطانية هو المخطط الإسرائيلي الذي يقضي بدمج أربع مستوطنات ضمن تكتل استيطاني كبير ليكون أول مدينة استيطانية تقام على أراضي الأغوار الشمالية.
ولكن ما معنى إقامة تكتل استيطاني وما تأثيره على المنطقة؟ أهم ما في ذلك هو مصادرة المزيد من الأراضي، أي المساحات التي تحيط بهذه المستوطنات، ما يعني مضاعفة مساحة الأرض التي سيسطر عليها هذا التجمع الاستيطاني. كما يعني أيضاً تفريخ مجموعة من البؤر الاستيطانية حول هذا التجمع، وهو ما يشبه التجمعات الاستيطانية جنوب بيت لحم المسماة "غوش عتصيون"، أو تكتل "أريئيل" الذي يسيطر على معظم أراضي سلفيت. والبؤر الاستيطانية هي كالبيوض السرطانية التي تنمو وتكبر ومن ثم تسيطر.
أيضاً سيساعد هذا التجمع على خلخلة الميزان الديمغرافي في المنطقة خاصة المصنفة "ج"، وهي نسبة تصل إلى ثلث مساحة الضفة الغربية، بحيث يصبح عدد المستوطنين على المدى المتوسط أكثر من عدد السكان الفلسطينيين القاطنين في المنطقة والذين تمارس بحقهم سياسة التهجير القسري.
تهويد الأغوار يقوم أيضاً على عدة محاور، فجيش الاحتلال يشارك فيها، فمن ناحية قوات الاحتلال تسرّع عملية التهويد من خلال إقامة المعسكرات على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وإقامة المناورات العسكرية حتى بين بيوت المواطنين، واليوم يوجد في الأغوار الشمالية أكثر من 11 معسكراً. ومنذ اليوم الأول للاحتلال سارعت حكومة الاحتلال إلى تهجير السكان بل إن مناطق مثل عين ساكوت تم تهجير جميع سكانها لصالح قوات الاحتلال.
في المناطق الخارجة عن سيطرة المعسكرات تقوم قوات الاحتلال بإجراء المناورات العسكرية بالذخيرة الحية في كثير من الأحيان، ولهذا تبلغ الأهالي بضرورة إخلاء مساكنهم لفترات طويلة بحجة المحافظة على سلامتهم، ولكنها في الحقيقة تهجرهم وتبعدهم عن أراضيهم. إضافة إلى تعمد قوات الاحتلال خلال عمليات التدريب تدمير الحقول الزراعية خاصة الشتوية مثل القمح والشعير، ما يكبد المزارعين خسائر كبيرة سنة بعد سنة، وبالتالي يتم تركها لعدم القدرة على تحمل الخسائر المتراكمة.
في الجانب الآخر، فإن ما يسمى إدارة الاحتلال المدنية تقوم باستكمال الدور من خلال مصادرة قطعان المواشي والدواب والآلات الزراعية وصهاريج المياه تحت مسميات واهية، ومن ثم فرض غرامات تزيد على أثمان المواشي والآلات المصادرة. بل أكثر من ذلك تفرض غرامات على المزارعين عن كل الأيام التي تظل فيها المواشي والدواب المصادرة تحت إدارة الاحتلال. وفي حال عدم الدفع يتم الإعلان عن بيع المواشي والدواب بالمزاد العلني. وكان آخر مزاد لمجموعة من الحمير والخيول التي استولت عليها سلطات الاحتلال ولم يتمكن أصحابها من دفع الغرامات المفروضة عليها.
ومن الأشكال العدوانية الأخرى عمليات هدم المساكن والمنشآت، حيث تقوم سلطات الاحتلال أسبوعياً بهدم كثير من المساكن والبركسات والخيام خاصة في المناطق المسماة "ج".
وعلى سبيل المثال، هدمت قوات الاحتلال منذ العام 2009 وحتى العام 2017، ما مجموعه 350 بيتاً و719 منشأة في منطقة طوباس. (إحصائية لمركز عبد الله الحوراني).
وبالنسبة للمستوطنين فإنهم يواصلون سياسة الإرهاب القائمة أساساً على مبدأ إخلاء المنطقة من الفلسطينيين بالقتل والاعتداء الجسدي وتدمير الممتلكات، إضافة إلى العنف النفسي الممارس يومياً بحق الصامدين على أراضيهم. علماً أن إرهاب المستوطنين هو فوق القانون، وكل اعتداءاتهم الإجرامية لا تطالها يد القانون. بل العكس هناك دعم رسمي لهذه الاعتداءات والسيطرة على الأراضي واستغلالها اقتصادياً، حيث يستفيد المستوطنون سنوياً بما يزيد على 650 مليون دولار من استغلال منطقة الأغوار.
في المقابل فإن ما يساهم في الصعوبات أمام المرابطين على أرضهم في الأغوار الشمالية هو قلة الدعم الحكومي وحتى الأهلي لهم، والفتات الذي يصلهم ليس بحجم سياسة التهويد والاستيلاء على الأرض هناك.
يضاف إلى ذلك تدني الخدمات المقدمة للسكان سواء على الصعيد الصحي أو التعليمي أو البنى التحتية كشبكات الكهرباء والمياه، وبالتالي فإن معاناة المزارعين والبدو هناك مضاعفة.
وفي النهاية يجب دعم المواطنين لأنهم الجدار الأقوى في مواجهة مسلسل التهويد السرطاني الذي يسير بصمت قاتل.
[email protected]
أضف تعليق